من ذلك ، ولم أؤاخذه ، وبلغت به بعض ما أمّل عندي ، فلمّا أراد الانصراف ذكر أنه لم يكن قط إلّا على مودتي ، ومودّة أهل بيتي ، فقلت له : ولا يوم دفعت الكتاب إلى أمير المؤمنين ، ودعوت بالكتاب فأقرّ ، وسأل الإقالة ، وحسن للصفح ، فقلت له : لو لا أنك ذكرت ما ذكرت ، ولو لا أنّي كرهت أنك تستغبيني (١) ، أو تظن أنّي جاهل بك لم أوقفك على هذا ، وسأل دفع الكتاب إليه ، فلم آمن أن يرجع به إلى المنصور ، فأمرت (٢) بتحريقه بين يديه.
قال : وحدّثني محمّد بن أبان ، عن يزيد بن حاتم قال : كنت على باب المنصور أنا ويزيد بن أسيد إذ فتح باب القصر ، فخرج إلينا خادم للمنصور فنظر إلينا ثم انصرف عاديا ، فأخرج رأسه من الستر ، وقال (٣) :
لشتّان ما بين اليزيدين في الندى |
|
يزيد سليم والأغر ابن حاتم |
فلا يحسب التمتام أني هجوته |
|
ولكنني فضّلت أهل المكارم |
ثم انصرف ثم عاد فأنشد ذلك ثلاث مرّات ، فقال يزيد بن أسيد وتمتم : نعم ، نعم ، على رغم أنفك وأنف من أرسلك ، فرجع الخادم فأبلغها المنصور ، فبلغنا أنه ضحك حتى استلقى.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، ثنا أبو بكر الخطيب.
ح وأخبرنا أبو الفضل بن ناصر ، وأبو منصور موهوب بن الخضر ، قالا : أنا أبو الحسن بن أيوب ، قالا : أنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم البزار ، أنا أبو علي عيسى بن محمّد بن أحمد الطوماري ، نا أبو العبّاس أحمد بن يحيى ، نا الزبير ، حدّثني الحسن بن موسى الأنصاري قال : قال صفوان بن صفوان من بني الحارث بن الخزرج (٤) : كنا مع يزيد بن حاتم فقال : استنقوا (٥) إليّ ثلاثة أبيات ، فقلت : أفيك؟ قال : فيمن شئتم ، فكأنها كانت في كمي ، فقلت :
لم أدر ما الجود إلّا ما سمعت به |
|
حتى لقيت يزيدا عصمة الناس |
لقيت أجود من يمشي على قدم |
|
مفضلا برداء الجود والباس |
__________________
(١) في «ز» : تستعتبني.
(٢) بالأصل : فأمرني ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٣) انظر عنهما فيما يأتي.
(٤) الخبر والشعر في وفيات ٦ / ٣٢٥ نقلا عن ابن عساكر ، والأبيات في سير الأعلام ٨ / ٢٣٤.
(٥) الأصل وم و «ز» : استبقوا ، والمثبت عن وفيات الأعيان.