قال : ونا محمّد بن عبد العزيز ، نا أبي ، عن أبي معاوية ، عن أبي إسحاق الخميسي قال : دخلت على يزيد الرّقاشي وقت الظهيرة في بيته وهو يتمرغ على الرّمل مثل الجرادة ، وهو يقول : ويحك يا يزيد ، من يصوم عنك؟ من يصلّي عنك؟ من يترضى لك ربك من بعدك؟ ثم التفت إليّ فقال : يا معشر الناس ، ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم من الموت موعده ، والقبر بيته ، والثرى فراشه ، والدود أنيسه ، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر ، ثم لا يعرف منقلبه إلى الجنّة أو إلى النار ، ثم يبكي حتى يسقط أشفار عينيه.
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنا علي بن محمّد بن محمّد بن الأخضر ، أنا أحمد بن محمّد بن يوسف العلّاف ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، حدّثني محمّد بن الحسين ، نا عمّار بن عثمان ، نا حصين بن القاسم الوزان [نا دهثم (١) العجلي قال : لقيت يزيد الرقاشي فقلت له : كيف أصبحت ـ رحمك الله ـ؟ قال :](٢) كيف يصبح من تعتد عليه أنفاسه؟ ويحصى لانقضاء أجله؟ لا يدري على خير يقدم أم على شرّ ، قال : ثم ذرفت عيناه.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، وأبو منصور بن العطّار ، قالا : أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا عبيد الله السكري ، أنا زكريّا المنقري ، نا الأصمعي (٣) ، نا عبد الله بن عمر النميري قال : شهدت يزيد الرّقاشي وتمنى قوم عنده أماني ، فقال يزيد : أتمنى كما تمنيتم ، قالوا : تمنّه ، قال يزيد : ليتنا لم نخلق ، وليتنا إذ خلقنا لم نمت ، وليتنا إذا متنا لم نحاسب وليتنا إن حوسبنا لا نعذّب ، وليتنا إن عذّبنا لا نخلّد.
أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمّد بن البغدادي ، أنا أبو نصر محمّد بن أحمد بن محمّد بن عمر ، أنا أبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل الصيرفي ، أنا محمّد بن عبد الله بن أحمد الصفّار ، نا ابن أبي الدنيا ، نا أحمد بن إبراهيم (٤) ، نا أبو عبد الله المروزي ، نا سلمة أبو صالح ، حدّثني كنانة بن جبلة السلمي قال : قال يزيد الرقاشي : انظروا إلى هذه القبور سطورا بأفناء الدور ، تدانوا في خططهم ، وقربوا في مزارهم ، وبعدوا في لقائهم ، سكنوا فأوحشوا ، وعمروا فأخربوا ، فمن سامع يساكن موحش ، وعامر مخرّب غير أهل القبور؟.
__________________
(١) في م : «دهم» بالإهمال ، وفي «ز» : دهيم. والمثبت عن المختصر.
(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك للإيضاح عن «ز» ، وم.
(٣) من طريق الأصمعي رواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٧٩.
(٤) رواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٧٩ من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي.