القلوب كدبيب السمّ في الأبدان وقل المعروف وظهرت الجرائم وهونت الفطائم وطلبوا المدح بالمال وأنفق المال للغناء وشغلوا بالدنيا عن الآخرة وقلّ الورع وكثر الطمع والهرج والمرج وأصبح المؤمن ذليلا والمنافق عزيزا ، مساجدهم معمورة بالأذان وقلوبهم خالية من الإيمان واستخفوا بالقرآن ، بلغ المؤمن عنهم كلّ هوان فعند ذلك ترى وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين ، كلامهم أحلى من العسل وقلوبهم أمرّ من الحنظل فهم ذئاب وعليهم ثياب ، ما من يوم إلّا يقول الله تعالى : أفبي تغترون أم عليّ تجترون أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا وأنّكم إلينا لا ترجعون ، فو عزّتي وجلالي لو لا من يعبدني مخلصا ما أمهلت من يعصيني طرفة عين ولو لا ورع الورعين من عبادي لما أنزلت من السماء قطرة ولا أنبتّ ورقة خضراء ، فوا عجباه لقوم آلهتهم أموالهم وطالت آمالهم وقصرت آجالهم وهم يطمعون في مجاورة مولاهم ولا يصلون إلى ذلك إلّا بالعمل ولا يتمّ العمل إلّا بالعقل (١).
وفي الدمعة عن تفسير علي بن إبراهيم عن عبد الله بن عبّاس قال : حججنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حجّة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال : ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ وكان أدنى الناس يومئذ منه سلمان قال : بلى يا رسول الله فقال : إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلاة واتباع الشهوات والميل مع الأهواء وتعظيم المال وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره ، قال سلمان رضى الله عنه : إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إي والذي نفسي بيده ، يا سلمان إنّ عندها يليهم أمراء جورة ووزراء فسقة وعرفاء ظلمة وأمناء خونة ، فقال سلمان : إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إي والذي نفسي بيده يا سلمان إنّ عندها يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا ويؤتمن الخائن ويخوّن الأمين ويصدّق الكاذب ويكذّب الصادق قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها إمارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبيان على المنابر ويكون الكذب طرفا والزكاة مغرما والفيء مغنما ويجفو الرجل والديه ويبرّ صديقه ويطلع الكوكب المذنب ، قال سلمان : وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟
__________________
(١) البحار : ٥٢ / ٢٦٤ ح ١٤٨.