المدينة وأرسينا بمشرعتها أمرونا بالحضور إلى عند السلطان فحضرنا داره ودخلنا إليه إلى بستان صور في وسطه قبّة من قصب والسلطان في تلك القبّة وعنده جماعة وفي باب القبّة ساقية تجري ، فوافينا القبّة وقد أقام المؤذن الصلاة فلم يكن أسرع من أن امتلأ البستان بالناس وأقيمت الصلاة فصلّى بهم جماعة فلا والله لم تنظر عيني أخضع منه لله ولا ألين جانبا لرعيته ، فصلّى من صلّى مأموما ، فلمّا قضيت الصلاة التفت إلينا وقال : هؤلاء القادمون؟
قلنا : نعم ، وكانت تحية الناس له أو مخاطبتهم له بابن صاحب الأمر ، فقال : على خير مقدم ، ثمّ قال : أنتم تجّار أو ضياف؟ فقلنا : تجّار ، فقال : من منكم المسلم ومن منكم أهل الكتاب؟ فعرّفناه ذلك ، فقال : أنّ الإسلام تفرّق شعبا فمن أي قبيل أنتم؟ وكان معنا شخص يعرف بالمقرى بن زبهان بن أحمد الأهوازي يزعم أنّه على مذهب الشافعي ، فقال له : أنا رجل شافعي ، قال : فمن على مذهبك من الجماعة؟ قال : كلّنا إلّا هذا حسّان بن غيث فإنّه رجل مالكي ، فقال : أنت تقول بالإجماع؟ قال : نعم ، قال : إذا تعمل بالقياس ، ثمّ قال : بالله يا شافعي تلوت ما أنزل الله يوم المباهلة؟
قال : نعم ، قال : ما هو؟ قال قوله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (١) فقال بالله عليك من أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه يا بن زبهان؟ فأمسك ، فقال : بالله هل بلغك أن غير الرسول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء؟ قال : لا ، فقال : والله لم تنزل هذه الآية إلّا فيهم ولا خصّ بها سواهم ، ثمّ قال : بالله عليك يا شافعي ما تقول فيمن طهّره الله بالدليل القاطع فهل ينجسه المختلفون؟ قال : لا ، قال : بالله عليك هل تلوت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢) قال : نعم ، قال : بالله عليك من يعني بذلك؟ فأمسك ، فقال : والله ما عنى بها إلّا أهلها ، ثمّ بسط لسانه وتحدّث بحديث أمضى من السهام وأقطع من الحسام فقطع الشافعي وواقفه ، فقام عند ذلك فقال : عفوا يا بن صاحب الأمر ، انسب إليّ نسبك فقال : أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٦١.
(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٣.