أتذكر شهر رمضان ، فيقول : نعم ، ستر الحال شرط ، فهذا ما سمعته ورويته والحمد لله وحده وصلواته على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين والحمد لله ربّ العالمين (١).
الحكاية الثانية عشرة : فيه عن المولى زين العابدين السلماسي تلميذ آية الله السيّد السند والعالم المسدّد وفخر الشيعة وزينة الشريعة العلّامة الطباطبائي السيّد محمد مهدي المدعو ببحر العلوم أعلى الله درجته ، وكان المولى المزبور من خاصّته في السرّ والعلانية قال : كنت حاضرا في مجلس السيّد في المشهد الغروي إذ دخل عليه لزيارته المحقّق القمّي صاحب القوانين في السنة التي رجع من [بلاد] (٢) العجم إلى العراق زائرا لقبور الأئمّة عليهمالسلام وحاجّا لبيت الله الحرام فتفرّق من كان في المجلس وحضر للاستفادة منه وكانوا أزيد من مائة وبقيت ثلاثة من أصحابه أرباب الورع والسداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد فتوجّه المحقّق الأيد إلى جناب السيّد وقال : إنّكم فزتم وحزتم مرتبة الولاية الروحانية والجسمانية وقرب المكان الظاهري والباطني فتصدّقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان كي تنشرح به الصدور وتطمئن به القلوب ، فأجاب السيّد من غير تأمّل وقال : إنّي كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل ـ والترديد من الراوي ـ في المسجد الأعظم بالكوفة لأداء نافلة الليل عازما على الرجوع إلى النجف في أوّل الصبح لئلّا يتعطّل أمر البحث والمذاكرة وهكذا كان دأبه في سنين عديدة ، فلمّا خرجت من المسجد ألقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة فصرفت خيالي عنه خوفا من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح فيفوت البحث في اليوم ، ولكن كان الشوق يزيد في كلّ آن ويميل القلب إلى ذلك المكان ، فبينا أقدّم رجلا وأؤخّر أخرى إذا بريح فيها غبار كثير فهاجت بي وأمالتني عن الطريق فكأنّها التوفيق الذي هو خير رفيق إلى أن ألقتني إلى باب المسجد فدخلت فإذا به خال عن العباد والزوّار إلّا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبّار بكلمات ترقّق القلوب القاسية وتسيح الدموع من العيون الجامدة ، فطار بالى وتغيّرت حالي ورجفت ركبتي وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات التي لم تسمعها اذني ولم ترها عيني ممّا وصلت إليه من الأدعية المأثورة ، وعرفت أن المناجي ينشئها في الحال لا أنّه
__________________
(١) بطوله في الصراط المستقيم عن الانباري : ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ فصل في علامات القائم ومدّته.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.