الحكاية الخامسة عشرة : فيه بهذا السند عن ناظر أموره رحمهالله في أيّام مجاورته بمكة قال:كان رحمهالله مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل والإخوة ، قويّ القلب في البذل والعطاء ، غير مكترث بكثرة المصارف ، فاتّفق في بعض الأيّام أن لم نجد إلى درهم سبيلا فعرّفته الحال وكثرة المئونة وانعدام المال فلم يقل شيئا ، وكان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلى الدار فيجلس في القبّة المختصّة به ونأتي إليه ب (غليان) فيشربه ثمّ يخرج إلى قبّة أخرى تجتمع فيها تلامذته من كلّ المذاهب فيدرس لكلّ على مذهبه ، فلمّا رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفاد النفقة وأحضرت الغليان على العادة فإذا بالباب يدقّه أحد فاضطرب أشد الاضطراب وقال لي : خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان ، وقام مسرعا خارجا عن الوقار والسكينة والآداب ففتح الباب ودخل شخص جليل في هيئة الاعراب وجلس في تلك القبّة وقعد السيّد عند بابها في نهاية الذلّة والمسكنة وأشار إليّ أن لا أقرّب إليه الغليان ، فقعدا ساعة يتحدّثان ثمّ قام فقام السيّد مسرعا وفتح الباب وقبّل يده وأركبه على جمله الذي أناخه عنده ومضى لشأنه ورجع السيّد متغيّر اللون وناولني براثا وقال : هذه حوالة على رجل صرّاف قاعد في جبل الصفا فاذهب إليه وخذ منه ما أحيل عليه ، قال : فأخذتها وأتيت بها إلى الرجل الموصوف ، فلمّا نظر إليها قبّلها وقال : عليّ بالحماميل فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له : فرانسة ، يزيد كلّ واحد على خمس قرانات العجم وما كانوا يقدرون على حمله فحملوها على أكتافهم وأتينا بها إلى الدار ، ولمّا كان في بعض الأيّام ذهبت إلى الصرّاف لأسأل منه حاله وممّن كانت تلك الحوالة فلم أر صرّافا ولا دكّانا فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصرّاف فقال : ما عهدنا في هذا المكان صرّافا أبدا وإنّما يقعد فيه فلان فعرفت أنه من أسرار الملك المنّان وألطاف وليّ الرحمن (١).
الحكاية السادسة عشرة : عن العالم المحقّق الخبير السيّد علي سبط السيّد المذكور المرحوم المغفور له وكان عالما مبرّزا ، عن السيّد المرتضى صهر السيّد أعلى الله مقامه على بنت اخته وكان مصاحبا له في السفر والحضر ، مواظبا لخدماته في السرّ والعلانية قال : كنت معه في سر من رأى في بعض أسفار زيارته وكان السيّد ينام في حجرة وحده وكانت لي
__________________
(١) جنّة المأوى : ٢٣٧ الحكاية الثانية عشرة.