والنضارة والطراوة والعمارة ، فسرت حتّى دخلتها وإذا فيها أشجار مثمرة كثيرة وبناء عال مشتمل على بيوتات وغرف كثيرة في وسطها ، فأكلت من تلك الفواكه واختفيت في بعض الغرف وأنا أتفرّج الحديقة وأطرافها فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البرّ قاصدي الحديقة يقدمهم رجل ذو بهاء وجمال وجلال وغاية من المهابة ، يعلم من ذلك أنّه سيّدهم ، فدخلوا الحديقة ونزلوا من خيولهم وخلّوا سبيلها وتوسّطوا القصر فتصدّر السيّد وجلس الباقون متأدّبين حوله.
ثمّ أحضروا الطعام فقال لهم ذلك السيّد : إنّ لنا في هذا اليوم ضيفا في الغرفة الفلانية ولا بدّ لنا من دعوته إلى الطعام ، فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت : اعفني من ذلك ، فأخبر السيّد بذلك فقال : اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله ، فلمّا فرغنا من الطعام أمر بإحضاري وسألني عن قصّتي ، فحكيت له القصّة. فقال : أتحبّ أن ترجع إلى أهلك؟ قلت : نعم ، فأقبل على واحد منهم فأمره بإيصالي إلى أهلي فخرجت أنا وذلك الرجل من عنده فلمّا سرنا قليلا قال لي الرجل : انظر فهذا سور بغداد ، فنظرت فإذا أنا بسوره وغاب عنّي الرجل ، فتفطّنت من ساعتي هذه وعلمت انّي لقيت سيّدي ومولاي ومن سوء حظّي حرمت من هذا الفيض العظيم فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة (١).
الحكاية السابعة والعشرون : في البحار عن السيّد الفاضل أمير غلام قال : كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدّسة بالغري على مشرّفها السلام وقد ذهب كثير من الليل ، فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدّسة ، فأقبلت إليه ، فلمّا قربت منه عرفت أنه استاذنا الفاضل العالم التقي الزكيّ مولانا أحمد الأردبيلي قدّس الله روحه فأخفيت نفسي عنه حتّى أتى الباب وكان مغلقا فانفتح له عند وصوله إليه ودخل الروضة فسمعته يتكلّم كأنّه يناجي أحدا ، ثمّ خرج وأغلق الباب فمشيت خلفه حتّى خرج من الغري وتوجّه نحو مسجد الكوفة فكنت خلفه بحيث لا يراني حتّى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين عليهالسلام عنده ومكث طويلا ثمّ رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغري فكنت خلفه حتّى قرب من الحنانة ، فأخذني سعال لم أقدر على دفعه فالتفت إليّ فعرفني وقال : أنت أمير غلام؟ قلت : نعم. قال : ما تصنع هاهنا؟ قلت : كنت معك
__________________
(١) جنّة المأوى : ٢٥٩.