شبّاكه الخارج إلى الطريق شخصا بهيّ المنظر يقرأ فاتحة الكتاب فتأمّلته فإذا هو غريب الشكل وليس من أهل الحلّة فقلت في نفسي : هذا رجل غريب قد اعتنى بصاحب هذا المرقد ووقف وقرأ له فاتحة الكتاب ونحن أهل البلد نمرّ ولا نفعل ذلك فوقفت وقرأت الفاتحة والتوحيد ، فلمّا فرغت سلّمت عليه فردّ السلام وقال لي : يا علي أنت ذاهب لزيارة السيّد مهدي؟ قلت : نعم ، قال : فإنّي معك ، فلمّا صرنا ببعض الطريق قال لي : يا علي لا تحزن على ما أصابك من الخسران وذهاب المال في هذه السنة فإنّك رجل امتحنك الله بالمال فوجدك مؤدّيا للحقّ وقد قضيت ما فرض الله عليك ، وأمّا المال فإنّه عرض زائل يجيء ويذهب وكان قد أصابني خسران في تلك السنة لم يطّلع عليه أحد مخافة الكسر فاغتممت في نفسي وقلت : سبحان الله كسري قد شاع وبلغ حتّى إلى الأجانب إلّا أنّي قلت له في الجواب : الحمد لله على كلّ حال ، فقال : إنّ ما ذهب من مالك سيعود إليك بعد مدّة وترجع كحالك الأوّل وتقضي ما عليك من الديون قال : فسكت وأنا متفكّر في كلامه حتّى انتهينا إلى باب داركم فوقفت ووقف فقلت : ادخل يا مولاي فأنا من أهل الدار فقال عليهالسلام لي : ادخل أنا صاحب الدار فامتنعت فأخذ بيدي وأدخلني أمامه ، فلمّا صرنا إلى المجلس وجدنا جماعة من الطلبة جلوسا ينتظرون خروج السيّد قدسسره من داخل الدار لأجل البحث ، ومكانه من المجلس خال لم يجلس به أحد احتراما له وفيه كتاب مطروح فذهب الرجل فجلس في الموضع الذي كان السيّد رحمهالله يعتاد الجلوس فيه ثمّ أخذ الكتاب وفتحه وكان الكتاب شرائع المحقّق رحمهالله ثمّ استخرج من الكتاب كراريس مسودة بخطّ السيّد رحمهالله وكان خطّه في غاية الضعف لا يقدر كلّ أحد على قراءته فأخذ يقرأ في تلك الكراريس ويقول للطلبة : ألا تعجبون من هذه الفروع؟ وهذه الكراريس هي بعض من جملة كتاب مواهب الافهام في شرح شرائع الأحكام وهو كتاب عجيب في فنّه لم يبرز منه إلّا ست مجلّدات من أوّل الطهارة إلى أحكام الأموات.
قال الوالد أعلى الله درجته : لمّا خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالسا في موضعي ، فلمّا رآني قام وتنحّى عن الموضع وألزمته بالجلوس فيه ورأيته رجلا بهيّ المنظر وسيم الشكل في زي غريب ، فلمّا جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه وبشاشة وسؤال عن حاله واستحييت أن أسأله من هو وأين موطنه ، ثمّ شرعت بالبحث فجعل الرجل يتكلّم في