فقالوا : لا والله ، وكنت وهو بين أيدينا أطيل النظر إليه كأنّي رأيته قبل ذلك لكنّني لا أذكر أين رأيته ، فلمّا فارقنا تذكّرت انّه هو الشخص الذي زارني بالحلّة وأخبرني بواقعة السليمانية ، وأمّا عشيرة عنزة فلم نر لهم أثرا في منازلهم ولم نر أحدا نسأله عنهم سوى أننا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البرّ فوردنا كربلاء تخبّ بنا خيولنا فوصلنا إلى باب البلاء وإذا بعسكر على سور البلد فنادوا : من أين جئتم؟ وكيف وصلتم؟ ثمّ نظروا إلى سواد الزوّار ثمّ قالوا : سبحان الله! هذه البرية قد امتلأت من الزوّار ، أجل أين صارت عنزة؟ فقلت لهم : اجلسوا وخذوا أرزاقكم ولمكّة ربّ يرعاها ثمّ دخلنا البلد فإذا بكنج محمد آغا جالس على تخت قريب من الباب فسلّمت عليه فقام في وجهي فقلت له : يكفيك فخرا أنّك ذكرت باللسان فقال : ما الخبر؟ فأخبرته بالقصّة فقال لي : يا مولاي من أين لي علم بأنّك زائر حتّى أرسل لك رسولا وأنا وعسكري منذ خمسة عشر يوما محاصرين في البلد لا نستطيع أن نخرج خوفا من عنزة؟ ثمّ قال : فأين صارت عنزة؟ قلت : لا علم لي سوى أنّي رأيت غبرة شديدة في كبد البرّ كأنّها غبرة الظعائن ثمّ أخرجت الساعة وإذا بقي من النهار ساعة ونصف فكأنّ مسيرنا كلّه في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث ساعات ثمّ بتنا تلك الليلة في كربلاء ، فلمّا أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض الفلّاحين الذين في بساتين كربلاء قال : فبينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهم وبيده رمح طويل فصرخ فيهم بأعلى صوته : يا معاشر عنزة قد جاء الموت هذا عساكر الدولة العثمانية تجبهت عليكم بخيلها ورجلها وها هم على أثري مقبلون فارحلوا وما أظنّكم تنجون منهم فألقى الله عليهم الخوف والذلّ حتّى إنّ الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالا بالرحيل فلم تمض ساعة حتّى ارتحلوا بأجمعهم وتوجّهوا نحو البرّ فقلت له : صف لي الفارس فوصفه وإذا هو صاحبنا بعينه وهو الفارس الذي جاءنا والحمد لله ربّ العالمين (١).
الحكاية الثلاثون : وفيه عن السيّد السند الميرزا صالح المزبور عن بعض الصلحاء الأبرار من أهل الحلّة قال : خرجت غدوة من داري قاصدا داركم لأجل زيارة السيّد أعلى الله مقامه فصار ممري في الطريق على المقام المعروف بقبر السيّد محمد ذي الدمعة فرأيت على
__________________
(١) جنّة المأوى : ٢٨٨ الحكاية ٤٦.