السؤال عن الجبر : «لو كان كذلك ، لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر ، ولسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن على مسيء لائمة ، ولا لمحسن محمدة ، الحديث» (١).
وقد روي عن أبي الحسن موسى بن جعفر ـ عليهماالسلام ـ «أنه سأل عنه أبو حنيفة عن أفعال العباد ممن هي؟ فقال : إن أفعال العباد لا تخلو من ثلاثة منازل ، إما أن تكون من الله تعالى خاصة ، أو منه ومن العبد على وجه الاشتراك فيها ، أو من العبد خاصة ، فلو كانت من الله تعالى خاصة ، لكان أولى بالحمد على حسنها ، والذم على قبحها ، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها ، ولو كانت من الله ومن العبد لكان الحمد لهما معا فيها ، والذم عليهما جميعا فيها ـ لأن المفروض أنهما مستقلان فيها ـ وإذا بطل هذان الوجهان ، ثبت أنها من الخلق ، فإن عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك ، وإن عفا عنهم فهو أهل التقوى وأهل المغفرة» (٢). وظاهره أن مباشرة الأفعال من الإنسان وهو لا يمكن إلّا بالاختيار ، وهو المصحح للعقاب والعفو كما لا يخفى.
ثم إن إثبات كون الأفعال صادرة من الخلق لا ينافي استنادها إليه تعالى بالطولية وبواسطتهم ، كما سيأتي تصريح الأدلة به ، وإنما المنافي هو استنادها إليه تعالى في عرض صدورها من الخلق فلا تغفل.
هذا كله مضافا إلى أن الفكر الجبري يؤدي إلى رفض المسئولية كلها ؛ لأنه لا يرى لنفسه تأثيرا في شيء من الأشياء فلذا ينظلم ، ولا يسعى في التخلق بالأخلاق الحسنة ، وإصلاح الاجتماع ، ودفع الظلم والجور ، ولعله لذلك كان ترويج عقيدة الجبر من أهداف الحكومات الظالمة ؛ لأن الناس إذا كان ذلك اعتقادهم خضعوا لسلطة الظلمة ولم يروهم مقصرين فيما يفعلون.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٤.
(٢) كتاب تصحيح الاعتقاد : ص ١٣.