نرى أنفسنا عند عدم إشباع كمال من الكمالات غير آيسين من النيل إلى كمال فوقه إلى أن ينتهى إلى كمال لا نهاية له وهو الذي يوجب السكون والاطمئنان ولا نشبع من حبه ولا نشمئز من الخضوع والعبادة له ، (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (١).
ففطرة الرجاء وفطرة حب الكمال المطلق وفطرة عبادته والخضوع له كلّها مظاهر مختلفة للمعرفة الفطرية وهي العلم الحضوري بالرب المتعالي لأنها آثار تلك المعرفة ولا يمكن وجودها بدونها بعد كون غير الرب محدودا بمرتبة ومفقودا في بعض الاحيان.
ثم مع ثبوت هذه المعرفة الفطرية حصلت المعرفة بالواجب المتعال ؛ لأن العلم عين الكشف ولا حاجة إلى مقدمات اخرى كما ذهب إليها شيخ مشايخنا الشاه آبادي ـ قدسسره ـ حيث قال : بأن العشق من الصفات الإضافية يقتضي معشوقا كما كنت عاشقا بالفعل فلتحكم بوجود معشوق الفطرة في دار التحقق كما قال مولانا : «عميت عين لا تراك ... الخ» (٢).
وذلك لأن نفس المعرفة الفطرية عين المعرفة به تعالى ولا حاجة إلى ضميمة أنه لا يعقل وجود أحد المتضايفين بدون الآخر فلا تغفل.
ثم إن هذا الإدراك حيث كان من خصائص الخلقة في الإنسان ليس فيه خطأ ، كما أن السمع والبصر لا يفعلان إلّا ما قرر في خلقتهما له فالسمع لا يريد الرؤية كما أن البصر لا يريد السماع فكل شيء في خلقتنا لا يقصد إلّا ما هو له (٣). وعليه فتوجيه قلوبنا نحو وجوده تعالى أمر فطري لا خطأ فيه. وليس هذه المعرفة من باب القضايا المعقولة التي يحتمل فيها الصدق والكذب ، بل هو من
__________________
(١) الرعد : ٢٨.
(٢) رشحات البحار : كتاب الإنسان والفطرة ص ٣٧.
(٣) راجع اصول فلسفة : ج ٥ ص ٤٦.