الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» (١).
لا يقال : إن التحدي بالنسبة إلى العرب بالمباشرة وبالنسبة إلى غيرهم بالتسبيب ، فالآية لا تنافي انحصار وجوه الإعجاز في الفصاحة والبلاغة ؛ لأنا نقول : إن ظاهر الآية هو التحدي بالنسبة إلى جميع أفراد البشر والجن على نحو واحد ؛ لأن الخطاب فيها على نحو القضية الحقيقية فيشمل الحاضرين والغائبين ، بل المعدومين في ظرف وجودهم من دون فرق بينهم ، فالتفصيل بين الأفراد بالمباشرة والتسبيب خلاف الظاهر.
هذا مضافا إلى شهادة العيان بعجز البشر عن الاتيان بمثله في جميع الجهات ، من الفصاحة والبلاغة والمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة والأحكام التشريعية والأخبار المغيبة وأسرار الخلقة وغير ذلك ، واعترف بذلك أهل الإنصاف من فحول العلوم ، وإليه أشار العلّامة آية الله الشيخ محمّد جواد البلاغي ـ قدسسره ـ حيث قال : «إن إعجاز القرآن لم يكن بمجرد الفصاحة والبلاغة ، وإن كفى ذلك في الإعجاز والحجة على دعوى الرسالة على أتم الوجوه في المعجز وأعمها ، فأين أنت عن عرفانه العظيم الذي هو لباب المعقول وصفوة الحكمة ، وأين أنت عن أخلاقه التي هي روح الحياة الأدبية والاجتماعية ، وأين أنت عن قوانينه الفاضلة وشرائعه العادلة ، ومحلها من العدل والمدنية ، وأين أنت عن إنبائه بالغيب التي ظهر مصداقها في المستقبل وهلم النظر إلى أقصر سور القرآن وما عرفناه من عجائبها الباهرة انظر إلى سورة التوحيد وأنوار عرفانها الحقيقي في ذلك العصر المظلم ، وانظر إلى سورة تبت وإنبائها بهلكة أبي لهب وامرأته بدخول النار ، وظهور مصداق ذلك بموتهما على الكفر ، وحرمانهما من
__________________
(١) الاسراء : ٩٠.