إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ» (١) والصرف الذي يقولون به ، إنما يدل على صدق الرسالة بوجود آية هي الصرف ، لا على كون القرآن كلاما لله ، نازلا من عنده ، ونظير هذه الآية ، الآية الاخرى وهي قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) (٢) فإنها ظاهرة في أن الذي يوجب استحالة اتيان البشر بمثل هذا القرآن ، وضعف قواهم وقوى كل من يعينهم على ذلك من تحمل هذا الشأن ، هو أن للقرآن تأويلا لم يحيطوا بعلمه ، فكذبوه ولا يحيط به علما إلّا الله ، فهو الذي يمنع المعارض عن أن يعارضه لا أن الله سبحانه يصرفهم عن ذلك مع تمكنهم منه لو لا الصرف بإرادة من الله تعالى ، وكذا قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٣) فإنه ظاهر في أن الذي يعجز الناس عن الاتيان بمثل القرآن ، إنما هو كونه في نفسه على صفة عدم الاختلاف لفظا ومعنى ، ولا يسع لمخلوق أن يأتي بكلام غير مشتمل على الاختلاف ، لا أن الله صرفهم عن مناقضته بإظهار الاختلاف الذي فيه. هذا ، فما ذكروه من أن إعجاز القرآن بالصرف كلام لا ينبغي الركون إليه (٤) وأضف إلى ذلك أن صدور العلم القرآني مع ما فيه من التعالي والعظمة من الذي يكون أميّا لم يقرأ ولم يكتب ولم يدرس عند أحد إعجاز وخارج عن القدرة والعادة ، والصرفة فيما يمكن عادة لا فيما لا يمكن عادة فلا تغفل.
ثم لا يذهب عليك أن دعوى الرسالة من النبي كما هي صريح بعض الآيات ، كقوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٥) مع ظهور المعجز في يده وهو القرآن الكريم ، كما عرفت ، يكفي لإثبات نبوته
__________________
(١) الشعراء : ٢١٠ ـ ٢١٢.
(٢) يونس : ٣٨ ـ ٣٩.
(٣) النساء : ٨١.
(٤) تفسير الميزان : ١ : ٦٨.
(٥) الاعراف : ١٥٨.