عن صحة هذه الدعوى اللاحقة ، فإن ثبتت لهما صحتها انتقلوا في دينهم إليها ، وإلّا صح لهم في شريعة العقل حينئذ البقاء على دينهم القديم والركون إليه.
أما المسلم كما قلنا ، فإنه إذا اعتقد بالإسلام لا يجب عليه الفحص ، لا عن الأديان السابقة على دينه ، ولا عن اللاحقة التي تدعي. أما السابقة فلأن المفروض أنه مصدق بها ، فلما ذا يطلب الدليل عليها ، وإنما فقط قد حكم بأنها منسوخة بالشريعة الاسلامية فلا يجب عليه العمل بأحكامها ولا بكتبها ، وأما اللاحقة فلأن نبي الإسلام محمّد ـ صلىاللهعليهوآله ـ قال : «لا نبي بعدي» وهو الصادق الأمين كما هو المفروض (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) فلما ذا يطلب الدليل على صحة دعوى النبوة المتأخرة إن ادعاها مدع.
نعم على المسلم بعد تباعد الزمان عن صاحب الرسالة واختلاف المذاهب والآراء ، وتشعب الفرق والنحل أن يسلك الطريق الذي يثق فيه أنه يوصله إلى معرفة الأحكام المنزلة على محمّد صاحب الرسالة ؛ لأن المسلم مكلف بالعمل بجميع الأحكام المنزلة في الشريعة كما انزلت ، ولكن كيف يعرف أنها الأحكام المنزلة كما انزلت ، والمسلمون مختلفون والطوائف متفرقة ، فلا الصلاة واحدة ولا العبادات متفقة ، ولا الأعمال في جميع المعاملات على وتيرة واحدة ... فما ذا يصنع؟ بأية طريقة من الصلاة ـ إذن ـ يصلي؟ وبأية شاكلة من الآراء يعمل في عباداته ومعاملاته كالنكاح والطلاق والميراث والبيع والشراء وإقامة الحدود والديات وما إلى ذلك؟