السلام على فرَس أشْقَرَ مَهْلوب (١) ، عليه بُردان يمانيان ، وفي يده قَناةٌ خَطِية (٢) ، فَشَيَّعه رسولُ الله صلىاللهعليهوآله وأنفذَ معه فيمن أنفذ أبا بكر وعُمَر وعَمرو بن العاص ، فسار بهم عليهالسلام نحوَ العراق مُتَنكّبْاً للطريق حتّى ظَنّوا أنّه يُريد بهم غيرَذلك الوجه ، ثمّ أخَذَ بهم على مَحَجَّة غامِضة ، فسار بهم حتّى استقبل الوادي من فمه ، وكان يَسيرُ الليل وَيكْمن النهار.
فلمّا قَرب من الوادي أمر أصحابَه أنَ يكْعَموا (٣) الخيلَ ، ووَقَفَهم مكاناً وقال : « لا تَبْرحوا » وانتبذ أمامَهم فأقامَ ناحيةً منهم.
فلمّا رأى عَمرو بن العاص ما صَنَع لم يَشُكَّ أنَ الفتح يكون له ، فقال لأبي بكر : أنا أعلم بهذه البلاد من عليّ ، وفيها ما هوأشدُّ علينا من بني سُلَيْم ، وهي الضِباع والذِئاب ، وإن خرجَتْ علينا خشيتُ أن تُقَطِّعنا ، فكَلِّمْه يَخْلُ عنّا نَعْلو الوادي.
قال : فانطَلَق أبو بكر فكلَّمَه فاطال ، فلم يُجِبْه أميرُ المؤمنين عليهالسلام حرفاً واحداً ، فرَجَعَ إليهم فقال : لا والله ما أجابَني حرفاً.
فقال عَمرو بن العاص لعُمَر بن الخَطّاب : أنتَ أقوى عليه ، فانطلق عمَر فخاطبه فصَنَع به مثلَ ما صَنَع بأبي بكر ، فرَجَع إليهم
ــــــــــــــــــ
(١) المهلوب : هو المقصوص شعر الهلب ، وهو الذنب. « القاموس المحيط ١ : ١٤٠ ».
(٢) الخط : موضع باليمامة ، وهو خط هجر ، تنسب إليه الرماح الخطَية ، لأنها تحمل من بلاد الهند فتقوّم به. « الصحاح ـ خطط ـ ٣ : ١١٢٣ ».
(٣) كعم بعيره أو فرسه : شدّ فمه كي لا يظهر منه صوت. اُنظر « الصحاح ـ كعم ـ ٥ : ٢٠٢٣ ».