فودَّعه أميرُ المؤمنين عليهالسلام وعاد إلى جيشه ، فَلقيَهم عن قُربٍ فوجدهم قد لَبِسُوا الحُلَلَ التي كانت معهم ، فأنكر ذلك عليهم ، وقال للذي كان استخلفه فيهم : « وَيلك ، ما دعاك إلى أن تًعْطِيَهم الحُلَلَ من قبل أن نَدْفَعَها إلى النبي عليه وآله السلام ولم أكُنْ أَذِنْتُ لك في ذلك؟ » فقال : سَألوني أن يتجمّلوا بها ويحرمُوا فيها ثمّ يردّونَها عليّ. فانتزعها أميرُ المؤمنين عليهالسلام من القوم وشدَّها في الأعْدال فاضطَغنوا لذلك عليه.
فلمّا دخلوا مكّةَ كَثُرَتْ شكايتهم من أمير المؤمنين عليهالسلام ، فأَمَرَ رسولُ الله صلىاللهعليهوآله مناديه فنادى في الناس : « اِرْفَعوا ألسنتَكم عن عليّ بن أبي طالب ، فإنه خَشِنٌ في ذات الله عزّوجلّ ، غيرُ مُداهِنٍ في دينه » فكفَّ الناسُ عن ذِكره ، وعَلِمُوا مَكانَه من النبي صلىاللهعليهوآله ، وسَخَطَه على من رام الغَمِيْزَةَ فيه. فأقام أميرُ المؤمنين عليهالسلام على إحرامه تأسّياً برسول الله صلىاللهعليهوآله .
وكان قد خرج مع النبي صلىاللهعليهوآله كثيرٌ من المسلمين بغير سِياق هَدْي. فأنزل الله عزّ ذكره ( وَاَتِمًّوا الْحَج وَالْعُمْرَة للّهِ ) (١) فقال رسولُ الله صلىاللهعليهوآله : « دَخَلَت العًمرةُ في الحجّ ـ وشَبَّك بين أصابع إحدى يَدَيْه بالأخرى ـ إلى يوم القيامة » ثم قال عليه وآله السلام : « لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما سُقْتُ الهَدْي » ثمّ أمَرَ مناديَه فنادى : مَنْ لم يَسُقْ منكم هَدْياً فليُحِلّ ولْيَجْعَلها عُمْرَةً ، ومن ساق منكم هَدْياً فليُقِمْ على إحرامه. فأطاع بعضُ الناس
ــــــــــــــــــ
(١) البقرة ٢ : ١٩٦.