ثمَّ خَطَبَ للناس فحَمَد الله وأثنى عليه ، ووَعَظَ فابلغ في الموعظة ، ونَعى إلى الأُمّة نفسَه ، فقال عليه وآله السلام : « إني قد دُعِيْت ويُوشِك أن أُجِيب ، وقد حان مني خفوفٌ (١) من بين أظْهُركم ، وإنّي مُخلِّفٌ فيكم ما إن تَمَسّكتم به لن تَضِلّوا أبداً (٢) : كتاب الله وعترتي أهلَ بيتي ، وإنَّهما لن يَفْتَرِقا حتّى يَرِدا عَليَّ الحوضَ ».
ثمّ نادى بأعلى صوته : (٣) « ألَسْتُ أولى بكم منكم بأنفسكم؟ » فقالوا : اللّهم بلى ، فقال لهم على النَسَق ، وقد أخذ بضَبْعَيْ (٤) أميرِالمؤمنين عليهالسلام فرَفَعَهما حتّى رُئيَ بياضُ إِبْطَيْهما وقال : « فَمَنْ كُنتُ مَوْلاه فهذا عليٌّ مَوْلاه ، اللّهم والِ من والاه ، وعادِ من عَاداه ، وانْصر من نَصَره ، واخْذُل من خَذَله ».
ثمَّ نَزَل صلىاللهعليهوآله ـ وكان وقت الظَهيرة ـ فصَلّى ركعتين ، ثمّ زالتِ الشمس فأَذَّن مُؤَذنُه لصلاة الفَرْض فصَلّى بهم الظهر ، وجَلَس صلىاللهعليهوآله في خَيمته ، وأمَرعلياً أن يَجْلِس في خَيمةٍ له بازائه ، ثُمّ أمَرَ المسلمين أن يَدْخُلوا عليه فَوْجاً فَوْجاً فَيُهَنَؤوه بالمَقام ، ويُسلِّموا عليه بإمْرَة المؤمنين ، ففعل الناسُ ذلك كلُّهم ، ثمّ أمَرَ أزواجَه وجميعَ نِساء المؤمنين معه أن يَدْخُلن عليه ، ويُسَلِّمن عليه بإمْرَة المؤمنين ففَعلنَ.
ــــــــــــــــــ
(١) يقال خف القوم خفوفاً : أي قلوا ، وهي كناية منه صلىاللهعليهوآله عن ارتحاله من الدنيا. انظر « الصحاح ـ خفف ـ ٤ : ١٣٥٣ ».
(٢) أبداً : ليس في « ش » و « ح » وأثبتناها من « م » وهذا الموضع منها بخط متأخرعن زمن نسخها.
(٣) في « م » زيادة : أيها الناس. وهذا القطعة من النسخة : بخط متاخر عن زمن نسخها.
(٤) الضّبْع : بسكون الباء ، وسط العضد ، وقيل : هوما تحت الإبط. « النهاية ـ ضبع ـ ٣ : ٧٣ ».