حتى يأْكُل قويُكم ضعيفَكم ، ثمّ لا يُبعِد الله إلاّ من ظَلَمَ منكم ، وَلَقَلَّما أدبرَ شيءٌ ثمّ أقبلَ (١) ، وإنّي لأظنُّكم في فَترةٍ ، وما عَلَيَّ إِلاّ النُّصحُ لكم.
يا أَهلَ الكوفةِ ، مًنِيتُ منكم بثلاثٍ واثنتينِ صُمٌّ ذَوو أَسماع ، وبكمٌ ذَوو ألسُنٍ ، وعُميٌ ذَوو أَبصارٍ ، لا إِخوانُ صدقٍ عندَ اللقاءِ ، ولا إِخوانُ ثقةٍ عندَ البلاءِ. اللّهمّ إِنّي قد مَللتُهم ومَلًّوني ، وسئمتُهم وسئموني. اللّهمّ لا تُرْضِ عنهم أَميراً ولا تُرْضِهم عن أميرٍ ، وأَمِثْ قلوبَهم كما يماثْ الملحُ في الماءِ. أمَ واللهِ ، لو أجِدُ بُدَّاً من كلامِهَم ومُراسلتكم ما فعلتُ ، ولقد عاتبتُكم في رُشدِكم حتّى لقد سئمتُ الحياةَ؛ كلّ ذلكَ تُراجِعونَ بالهُزء (٢) منَ القولِ فِراراً منَ الحقِّ ، وإلحاداً (٣) إِلى الباطلِ الّذي لا يُعِزُّ اللّهُ بأهلهِ الدِّينَ ، وانّي لأعلمُ أنّكم لا تَزيدونَني غيرَ تَخْسيرٍ ، كلّما أمرتُكم بجهادِ عدوِّكمُ اثّاقلتُم إِلى الأرضِ ، وسمألتمُوني التّأْخيرَدِفاعَ ذي الدَّينِ المَطولِ. إِنْ قلتُ لكم في القيظِ : سِيروا ، قلتم : الحَرُّ شديدٌ ، وإنْ قلتُ لكم في البردِ : سِيروا ، قلتمُ : القًرُّ شديدٌ ؛ كلَّ ذلك فِراراً عنِ الجَنَّةِ. إِذا كنتُم عنِ الحرِّ والبرد تَعجِزونَ ، فأنتم عن حرارةِ السّيفِ أعجزُ وأعجزُ ، فإِنّا للهِ وِانّا إِليهِ راجعونَ.
يا أهلَ الكُوفةِ ، قد أتاني الصرِيخُ يُخبِرُني أنَّ أخا غامِدٍ (٤) قد نَزَلَ
ــــــــــــــــــ
(١) في هامش « ش » : فاقبل.
(٢) في هامش « ش » و « م » : بالهذر.
(٣) في « ح » وهامش « ش » و « م » : اخلاداً.
(٤) أخا غامد ، هو سفيان بن عوف بن المغفل الغامدي ، امّره معاوية على جيش لغارة على أهل الانبار والمدائن في ايام علي عليهالسلام ، وقتل حسان بن حسان عامل علي عليه