جميعَ منازل هارون من موسى عليهماالسلام في الحُكمِ له منه إلاّ النبوّة ، وجبت له وزارةُ الرسول صلىاللهعليهوآله وشدّ الأزر بالنصرة والفضل والمحبّة ، لما تقتضيه هذه الخصال من ذلك في الحقيقة ، ثمّ الخلافةُ في الحياة بالصريح ، وبعد النبوّة بتخصيص الاستثناء لما أخرج منها بذكر البَعد ، وأمثالُ هذه الحجج كثيرة ممّا يطول بذكرها الكتاب ، وقد استقصينا القول في إثباتها في غيرهذا الموضع من كتبنا ، والحمد للّه.
فكانت إمامةُ أمير المؤمنين عليهالسلام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ثلاثينَ سَنَة ، منها أربعٌ وعشرون سنة وأشهرُ ممنوعاً من التصرّف على أحكامها ، مستعملاً للتقية والمداراة. ومنها خمس سنين وأشهر مُمْتَحَناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين ، مُضطَهَداً بفِتَن الضالّين ، كما كان رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها ، خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً ، لا يتمكّن من جهاد الكافرين ، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين ، ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشركين مُمْتَحَناً بالمنافقين ، إلى أن قبضه اللّه ـ تعالى ـ إليه وأسكنه جنات النعيم.
وكانت وفاةُ أمير المؤمنين عليهالسلام قبيلَ الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً بالسيف ، قتله ابنُ مُلْجَم المُرادي ـ لعنه اللّه ـ في مسجد الكوفة ؛ وقد خرج عليهالسلام يُوقظ الناسَ لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك ، فلمّا مرّبه في المسجد وهو مُستَخْفٍ بامره مُماكرٌ بإظهار النوم في جملة النيام ، ثار إليه فضربه على