في الوسط ، تملأ بالتراب وتزرع فيها الأعشاب الجميلة ولكن الغالب تثبت الرايات فيها. ومن المعتاد أن يزرع أهل الموتى الريحان الأخضر في حفر صغيرة يحفرونها حول القبور ، إذ إنهم يعتقدون أن موتاهم سيكونون أسعد حالا طالما بقيت الرياحين يانعة محافظة على ريعانها. وبسبب هذه الخرافة تكثر المحلات التي يباع فيها الريحان وهم ينعشونه بالماء كيما يظل طريّا إذ تقبل النساء على شرائه وغرسه في قبور موتاهن.
وتكون الأماكن التي تقام فيها القبور خارج المدينة عادة وعلى مقربة من الطرق الخارجية بحيث يستطيع كل امرىء يمر بها أن يتذكرها وأن يستغفر الله لها ، وهذا هو السبب الذي يدعهم يقيمون القباب فوق القبور ، ذلك لأن الناس الذين يزورون هذه القبور ، ومعظمهم من أقارب الموتى ، يستطيعون دخول هذه القباب وأداء الصلاة فيها على أرواح الموتى.
وحين يتوفى أحد منهم يتم غسل جثمانه ، ويلبس أفخر ثيابه ، ثم يلقى به على لوح ويغطى بالرياحين والأزهار العطرة ، ويترك وجهه مكشوفا بحيث يستطيع كل واحد أن ينظر إليه ويتعرف عليه قبل أن ينقل إلى المقبرة (١) فإذا كان المتوفى «شلبيّا» أي شخصا نبيلا ، فإنهم يضعون طربوشه وحليه الأخرى عند رأسه ، ثم يسير أصدقاؤه ومعارفه في المقدمة خلف الجنازة مباشرة ، ويكون عملهم هو نقل الجثمان من واحد إلى الآخر إذا ما أحسوا بالتعب جراء ذلك ، ومن ثم يمضون به في رفق وهم ينتحبون طوال الطريق إلى المقبرة ، في حين تسير النسوة وراءهم صارخات معولات يسمعهن كل من يكون على قارعة الطريق.
__________________
(١) لسنا نعرف إن كانت مثل هذه العادة سائدة في سوريا أو بين الطوائف المسيحية على الأخص. ولكن الشائع عندنا في العراق أن يلفّ الميت بعد تغسيله بالكفن ، ولا يترك أي جزء ظاهر من جسمه ثم يحمل في جنازة على الأكتاف وبعد أن يصلى عليه صلاة الميت يلقى في القبر ويهال عليه التراب.