الحلال ، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله» (١). وقال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام «الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن ، قال الله سبحانه : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه» (٢) ، هذا هو الزهد ، ولا يلزم معه ترك الانتفاع بما أحلّه الله تعالى والالتذاذ بالملذّات ، بل يجمع معه الانتفاع بكلّ ما أنعم الله تعالى به على الإنسان من نعم الدنيا ، لأنّ المترفين أخذوا بالنعم حبّا للدنيا الدنيّة فيصعب عليهم تركها ، دون هؤلاء. فإنّهم يتركون الدنيا بلا عناء ومشقّة ، لا فرق عندهم في مقام الإنفاق بين الرمّانة الذهبية والرمّانة الطبيعية. قال أمير المؤمنين عليهالسلام في وصف حجج الله تعالى : استلانوا ما استوعره المترفون (٣) ، فهم كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم ، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت ، وأكلوها بأفضل ما أكلت ، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون ، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبّرون ، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح (٤).
إذن فما شأن هذه الرمّانة الذهبية التي لم تكن أصلها من الذهب ، بل كانت منقوشة به ، وما كان قيمتها ، ومن أين علم أنّه أبقاها؟ فلعلّها اهديت إليه في ذلك الحال كما يشعر به قوله : قد كان أهداها بعض رؤساء أهل البصرة. ويظهر من ألفاظه أنّه بالغ في توصيفها ، وما كان
__________________
(١) سفينة البحار : ج ١ ص ٥٦٨.
(٢) نهج البلاغة صبحي الصالح : ص ٥٥٣ خطبة ٤٣٩.
(٣) نهج البلاغة صبحي الصالح : ص ٤٩٧ الحكمة ١٤٧.
(٤) نفس المصدر ص ٣٨٣ من كتابه عليهالسلام إلى محمد بن أبي بكر.