__________________
وأقعدني عن يمين أبي ، ثمّ أقبل أبي بوجهه فقال له : يا محمّد ، لا تزال العرب والعجم تسودها قريش مادام فيهم مثلك ، ولله درّك ، مَن علّمك هذا الرمي ؟ وقي كَم تعلّمت ؟
فقال له أبي : قد علمت أنّ أهل المدينة يتعاطونه ، فتعاطيته أيّام حداثتي ، ثمّ تركته ، فلمّا أراد أمير المؤمنين منّي ذلك عدت إليه.
فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قطّ مذ عقلت ، وما ظننت أنّ في العرب أحداً يرمي مثل هذا الرمي ، أين رمي جعفر من رميك ؟
فقال : إنا نحن نتوارث الكمال والتمام الّذين أنزلهما الله على نبيه عليهالسلام في قوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) [ المائدة : ٥ : ٣ ] ، والأرض لا تخلو ممّن يكمل هذه الأمور الّتي يقصر عنها غيرنا.
قال : فلمّا سمع ذلك من أبي ، انقلبت عينه اليمنى فاحولّت واحمرّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيئة ، ثمّ رفع رأسه فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف ؟ نسبنا ونسبكم واحد ؟
فقال أبي : نحن كذلك ، ولكنّ الله جلّ ثناؤه اختصّنا من مكنون سرّه وخالص علمه بما لم يختصّ أحداً به غيرنا.
فقال : أليس الله جلّ ثناؤه بعث محمّداً صلىاللهعليهوآله من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّة أبيضها وأسودها وأحمرها ؟ من أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله مبعوث إلى الناس كافّة ؟ وذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) [ آل عمران : ٣ : ١٨٠ والحديد : ٥٧ : ١٠ ] إلى آخر الآية ، فمِن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمّد نبيّ ، ولا أنتم أنبياء ؟!
فقال : مِن قوله تعالى لنبيّه عليهالسلام : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) [ القيامة : ٨٥ : ١٦ ] ، فالّذي أبداه فهو للناس كافّة ، والّذي لم يحرّك به لسانه أمر الله تعالى أن يخصّنا به من دون غيرنا ، فلذك كان يناجي أخاه عليّاً من دون أصحابه ، وأنزل الله بذلك قرآناً في قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) [ الحاقة : ٦٩ : ١٢ ] ، فقال رسول الله لأصحابه : سألت الله تعالى أن يجعلها أذنك يا علي. فلذلك قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة : « علّمني رسول الله صلىاللهعليهوآله ألف باب من العلم يفتح من كلّ باب ألف باب ». خصّه به رسول الله صلىاللهعليهوآله من مكنون علمه ما خصّه الله به ، فصار إلينا وتوارثناه من دون قومنا.
فقال له هشام : إنّ عليّاً كان يدّعي علم الغيب ، والله لم يطلع على غيبه أحداً ، فمن أين ادّعى