المصرع السادس عشر
وهو مصرع الجواد محمّد بن علي عليهماالسلام
إخواني ، اعمروا دنياكم بقدر محياكم ، ودبّروا أمر عقباكم التي هي مأواكم بقدر مثواكم ، واعلموا أنّ الدنيا دار غرور وجسر مرور ، فإتئدوا في مشيّتكم فقراحها نهبور وبراحها عاثور ، فاحملوا من الدنيا زاد الضرورة ، وجانبوا الطمع في زخارفها الحقيرة ، وكلوا منها ما يسدّ رمقكم ، وآثروا سؤركم على من رمقكم ، وتصوروا تقلّب أحوالها ، وسرعة زوالها ، فما ظنّكم بدار صرعت آل الرسول ، وغدرت بأولاد عليّ والبتول ، فنفتهم عن جديدها ، وشحّت عليهم بطارفها وتليدها ، فغدوا بين ذبيح وسميم ، ومرضع بمواضي النصال فطيم ، ومغلولٍ يعالج شدّة الأقياد ، ومُرهق يكابد نهسة الأقتاد ، وذات حجاب مهتوكة الأسجاف ، وأسيرة في أكوار البُزل العجاف.
هذا وهم علة وجود العالم ، وبهم تاب الله على أبينا آدم ، فيحقّ لمصيبتهم العظمى ، ورزيّتهم الدهما ، أن تفطّر المرائر وتضرم نار الضمائر ، بل والله قليل في رزئهم المهول ، ومصابهم الشديد النكول ، إزهاق النفوس ، واسكان الأجسام الملاحد والرموس ، ولله در من قال ولقد أجاد :
إذا لم يكن بدّ من الحزن والبكا |
|
فلا تجزعي إلاّ لآل محمّد |
أصابتهم أيدي المصائب فاغتدوا |
|
بأسوء حال في الزمان وأنكد |
رمتهم بنبل الحقد آل اميّة |
|
فمن بين مسموم وبين مشرّد |
أصابت ذراري المصطفى بمصيبة |
|
تجدّد حزني كلّ يوم مجدّد |
أذاب فؤادي حزنهم فبكيتهم |
|
لأنّهم ذخري وفخري وسؤددي |