المصرع الثالث
وهو مصرع أمير المؤمنين عليهالسلام
إخواني ، قرّطوا آذان الإيمان بفكّ أقفالها ، وشنّفوا مسامع الإذعان بحلّ أغلالها ، وخفّفوا ظهور الإيقان بحطّ أثقالها ، وتيقّنوا أنّ الحكيم الأكمل لم يخلق الخلق بلا فائدة ، وتصوّروا أنّ الحاكم الأعدل لا يظلم في الأحكام النافذة ، واعلموا أنّ الغنيّ الجواد لا يرغب إلى رفد سواه ، وتحققوا أنّ الكريم المتفضّل لا يرجع فيما أسداه ، والطبع السليم أوجب شكر المنعم ، والعقل المستقيم حتّم حمد الرازق المتكرّم ، والشكر على جسيم الفواضل ضروريّ الوجوب ، والحمد لربّ الفضائل أمر مندوب.
فأعظم منن الله على العباد إرشادهم إلى طريق الرشاد ، وأجسم مواهب الملك الجواد إيصال عبده إلى جادة السداد ، ليفيض عليه نوالَيه ، حيث قد منحه بأصغَرَيه ، وكشف عن محجّبات عقله حجاب المتشكّكين ، وناداه بعد فتح باب المعرفة : ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ ) (١).
وعلّة هذه النعمة وأصلها ومعناها وصورتها هي الولاية لأمير المؤمنين عليهالسلام ، وبها يصل العبد إلى غاية المرام ، وذلك لأنّ أمير المؤمنين عليهالسلام أخو النبي ووصيّه ، ونائب الحق تعالى ووليّه ، وأسد الله وعليّه ، ومختاره ورضيّه ، الّذي واسى النبي وساواه ، وبمهجته في الملّمات وقاه ، وأجابه حين دعاه ولبّاه ، وشيّد الدين بعزمه وبناه ، وكان بيت النبوّة مرباه ومنشاه ، وشمس الرسالة عرشه ومرتقاه ، وغُصنَي الجلالة ولداه ، فكم نصر الرسول وحماه ، وغسّل النبي وواراه ، وقام بدَينه
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ : ٤٦.