فاستقبلته الجوار [ ي ] وهنّ باكيات ، فقال عليهالسلام لهنّ : « ما الخبر » ؟ فقلن : سيّدنا ، أدرك ابنة عمّك. فأقبل مسرعاً حتّى دخل عليها فإذا هي ملقاة على فراشها وهي تقبض يميناً وتمدّ شمالاً ، فألقى عن عاتقه الرداء ، ونزع العمامة عن رأسه وحلّ إزاره ، وأخذ رأسها في حجره وناداها : « يا زهرا ». فلم تكلّمه فنادى ثانية : « يا بنت محمّد المصطفى ، يا ابنة من حمل الزكاة بأطراف الرداء ». فلم تكلّمه ، فنادتها : « يا فاطمة ، أنا ابن عمك ». ففتحت عينها في وجهه وبكت وبكى ، ثمّ قال لها : « ما الّذي تجدين » ؟ قالت : « هو الموت الّذي لابدّ منه ولا محيص عنه ».
قال : ثمّ إنّ الحسن والحسين رجعا ودخلا عليها ، فوجداها متّكئة على فراشها تجود بنفسها الشريفة ، فجعلا يقبّلان يديها ورجليها ويقولان : « يا أمّاه ، افتحي عينك وانظري إلى يتيميك ». فلمّا سمعت صوتهما فتحت عينها فرأتهما وضمّتهما إلى صدرها وقالت : « ليتني أدري بما يقع عليكما من بعدي ». ثمّ أمرت بإحضار بناتها زينب وأم كلثوم وأوصت الحسن والحسين بهما.
وتوفّيت صلوات الله عليها في اليوم الثامن من شهر ربيع الثاني على أحد الأقوال سنة عشر من الهجرة.
فيا دموعي السواكب سيلي سيل الجداول ، ويا نيران وجدي اللواهب كنّى حنايا الضلوع النواحل ، ويا فؤادي الذاهب اتّخذ عن السلوة المعازل ، أو لا تكونون يا إخواني الأطائب وخلاني الأفاضل كمن رشقته سهام هذه المصيبة الصوائب فأصابت منه المقاتل ، وتجرّع كأس هذه الداهية العاطب ورشف أقداح الخطب الشامل ، فرثاهم بما سنح له من المراثي والنوادب ، ولله درّه من ثاكل.