الله صلى الله عليه وآله يوماً كئيباً حزيناً ، فقال له علي عليه السلام : ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً؟
فقال : وكيف لا أكون كذلك؟! وقد رأيت في ليلتي هذه أنّ بني تيم وبني عدي وبني اُميّة يصعدون منبري هذا ، يردون الناس عن الاسلام القهقهرى.
فقلت : يا ربّ في حياتي أو بعد موتي؟ فقال : بعد موتك. (١)
قلت : وقد تظافرت الروايات البالغة حدّ التواتر من طرق العامّة والخاصّة أنّه صلى الله عليه وآله ، بعد هذه الرؤيا أسرّ إلى أبي بكر وعمر أمر بني اُميّة ، واستكتمهما عليه ذلك ، فأفشى عمر عليه صلى الله عليه وآله سرّه وحكاه للحكم بن أبي العاص ، وأسرّ إلى حفصة أمر أبي بكر وعمر ، وقال لها : إنّ أباك وأبا بكر يملكان أمر اُمّتي ، فاكتمي عليّ هذا ، فأفشت عليه صلى الله عليه وآله ، ونبّأت به عائشة ، فجاءت بذلك الوحي ونزلت فيه سورة التحريم ، ولذلك بسط يضيق عنه درع المقام ، فليطلب ممّا أخرجناه في مظانّه.
(٢٦) قوله : ولكن تدور رحى الإسلام
الذي يستبين لي في تفسيره ويحصل معناه ، ولست أظنّ أنّ ذا دربة (٢) ما في أساليب الكلام ، وأفانين البيان يتعدّاه (٣) ، وهو أنّ من منتهى العشر إلى مبدأ الخامسة والثلاثين من مهاجره صلى الله عليه وآله ، لم يكن رحى الإسلام تدور دورانها ، ولا تعمل عملها ، بل يكون منقطعة عن الدور معطّلة عن العمل.
ثمّ إنّه إنّما تستأنف دورها وتستعيد عملها على رأس خمسة وثلاثين من الهجرة المقدّسة المباركة ، وذلك بتداء أوان انصراف الأمر إلى منصرفه ، وابان (٤) رجاع الحقّ إلى أهله.
وقد كان حيث إذ تمكن أمير المؤمنين عليه السلام ، من أن يجلس مجلسه من الخلافة والإمامة ، ويتصرّف في منصبه من الوصاية والولاية.
__________________
١. روضة الكافي : ٣٤٥. ورواه العامة بطرق مختلفة راجع كتاب الطرائف المطبوع بتصحيحنا وتحقيقنا : ٣٧٦ ـ ٣٧٨.
٢. الدربة : الحذاقة بصناعة.
٣. في «س» : الكلام لبيان يتعدّاه.
٤. في «س» : وأمال.