وإن لم يأخذ المحاربون مالا ولم يقتلوا نفسا ، أي أن الإمام مخير في الحكم على المحاربين ، يحكم عليهم إما بالقتل أو الصلب أو القطع أو النفي ، عملا بظاهر الآية.
وقصر الإمام أبو حنيفة التخيير على محارب خاص وهو الذي قتل النفس وأخذ المال ، فيخير الإمام بين هذه العقوبات الأربع : إن شاء قطع يده ورجله من خلاف وقتله ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف وصلبه ، وإن شاء صلبه فقط ، وإن شاء قتله فقط ، ولا يفرد القطع في هذه الحالة ، بل لا بد من انضمام القتل أو الصلب إليه ؛ لأن الجناية قتل وأخذ مال ، وقال الصاحبان في هذه الحالة : يصلب ويقتل ولا يقطع. واتفق الإمام مع صاحبيه على أن المحاربين إذا قتلوا فقط يقتلون ، وإذا أخذوا المال فقط تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإن أخافوا الطريق فقط ينفون من الأرض.
دليل المالكية : أن كلمة (أَوْ) موضوعة للتخيير ، كما في كفارة اليمين ، وكفارة جزاء الصيد ، فيعمل بحقيقة هذا الحرف ، ما لم يقم دليل على خلافه ، ولم يوجد ، فيبقى التخيير.
ودليل الجمهور : ١ ـ أن العقل يقضي أن يكون الجزاء مناسبا للجناية ، زيادة ونقصا ، بدليل إجماع الأمة على أن قطاع الطريق إذا أخذوا المال وقتلوا ، لا يكون جزاؤهم النفي فقط.
٢ ـ أن التخيير يعمل به إذا كان سبب الوجوب واحدا كما في كفارة اليمين وكفارة جزاء الصيد ، أما إذا اختلف السبب ، فإنه لا يعمل بظاهر التخيير ، ويكون الغرض بيان الحكم لكل واحد في نفسه.
وذلك مثل قوله تعالى : (قُلْنا : يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ ، وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) [الكهف ١٨ / ٨٦] والمعنى : إما أن تعذب من جحد وظلم ، وإما