أن تحسن إلى من آمن وعمل صالحا ، فليس المراد التخيير ؛ لأن اختلاف السبب يؤدي إلى اختلاف الحكم لكل نوع.
ودليل أبي حنيفة : أن الآية لا يمكن صرفها إلى ظاهر التخيير في مطلق المحارب ، فإما أن تحمل على ترتيب الأحكام ويضمر في كل حكم ما يناسبه من الجنايات ، وفيه إلغاء حرف التخيير ، وإما أن يعمل بظاهر التخيير بين الجزاءات الثلاثة ، وذلك في محارب خاص لا في مطلق المحارب ، والمحارب الخاص : هو الذي قتل وأخذ المال ، وهذا هو الأقرب والأولى ؛ لأن فيه عملا بحقيقة حرف التخيير وبما هو المعقول.
وسمي فعل المحاربين محاربة لله ورسوله للتهويل والتشنيع ، وبيان خطورة هذه الجريمة على الحق والعدل الذي أنزله الله على رسوله ، كما قال تعالى في أكلة الربا : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة ٢ / ٢٧٩] فليست محاربة الله على سبيل الحقيقة ؛ لأن الله منزه عن الكون في جهة ومكان ، والمحاربة تستلزم أن يكون كل من المتحاربين متواجهين ، وإنما هذا مجاز عن المخالفة وإغضاب الله ، أو المعنى يحاربون أولياء الله ورسوله ، فيكون نظير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب ٣٣ / ٥٧].
ويشترط في المحاربين ثلاثة شروط :
١ ـ أن يكون لهم قوة وشوكة ومنعة ، ليمتازوا عن السرّاق ، وأن يعتدوا على المارة بسلاح أو غيره من العصا والحجر والخشب ونحوها ، سواء أكانوا جماعة أم واحدا ، وسواء أخذوا المال من مسلم أم من ذمي.
٢ ـ أن يكون قطع الطريق في دار الإسلام ، وأن يكون في رأي أبي حنيفة خارج المصر بين حدود البلاد أو في الصحراء ؛ لأنه يمكن للمعتدى عليه في داخل المصر الاستغاثة بالآخرين. ولم يفرق الجمهور بين داخل المصر وخارجه ، فيمكن