فقال : يا أيها الرسول : وهو خطاب تشريف وتعظيم وتعليم للمؤمنين أن يخاطبوه بوصفه ، كما قال تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) [النور ٢٤ / ٦٣] فأصبحوا ينادونه بقولهم : «يا رسول الله» بعد أن كانوا ينادونه «يا محمد».
لا يحزنك أي لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في إظهار الكفر ، والانحياز إلى جانب الأعداء ، كلما سنحت لهم الفرصة ، فإني ناصرك عليهم ، وكافيك شرهم.
وليس المراد النهي عن الحزن ذاته ؛ لأنه أمر طبعي جبلّي لا اختيار للإنسان فيه ولا تكليف به ، وإنما المراد النهي عن لوازمه من مقدمات ونتائج من تعظيم شأن الحزن ، وتعاطي أسبابه.
ثم بين من هؤلاء ، وهم الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم ، ولم تؤمن قلوبهم ، وهم المنافقون ، واليهود أعداء الإسلام وأهله الذين يصغون لسماع الكذب من أحبارهم ، سواء فيما يتعلق بالنبي صلىاللهعليهوسلم أو بأحكام دينهم ، والكل سماعون لأقوام آخرين من اليهود الذين لا يأتون مجلسك يا محمد ، فهم جواسيس ليبلغوهم ما سمعوا منه ، ومعنى قوله : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ..) أي لأجل قوم.
وأولئك اليهود يحرفون كلام التوراة من بعد أن وضعه الله مواضعه ، أي فرض فروضه وأحل حلاله وحرم حرامه ، أي يحرفونه إما تحريفا لفظيا بإبدال كلمة بكلمة أو بالزيادة فيه والنقص منه ، وإما تحريفا معنويا بحمل اللفظ على غير معناه الحقيقي ، وتأويله بمعنى آخر ، وتبديله عن إصرار وعلم بالحقائق.
وهم يقولون لمن أرسلوهم إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ليسألوه عن حكم الزانيين المحصنين : إن أفتاكم بالتسخيم (أو التحميم) والجلد ، فاقبلوا منه وارضوا به ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا قبوله ولا ترضوا به.