حرفوا التوراة في الزاني المحصن والاقتصاص من القاتل المعتدي ، فأصبحوا كافرين غير مؤمنين لا بموسى والتوراة ولا بمحمد والقرآن.
أخرج ابن جرير الطبري عن أبي صالح قال : الثلاث الآيات التي في المائدة : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ..) إلخ ليس في أهل الإسلام منها شيء ، هي في الكفار (١). قال الرازي : وهذا ضعيف ؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ثم نقل عن عكرمة : قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) إنما يتناول من أنكر بقلبه وجحد بلسانه ، أما من عرف بقلبه كونه حكم الله وأقر بلسانه كونه حكم الله ، إلا أنه أتى بما يضاده ، فهو حاكم بما أنزل الله تعالى ، ولكنه تارك له ، فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية. ثم قال الرازي : وهذا هو الجواب الصحيح ، والله أعلم (٢).
والخلاصة : أن التكفير هو لمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله ، وأنكر بالقلب حكم الله ، وجحد باللسان ، فهذا هو الكافر. أما من لم يحكم بما أنزل الله ، وهو مخطئ ومذنب ، فهو مقصر فاسق ، مؤاخذ على رضاه الحكم بغير ما أنزل الله.
ولما جعل اليهود دية النضيري أكثر من دية القرظي ، ومنعوا أن يقتل به أي يقتص منه ، مخالفين حكم التوراة وحكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين سألوه ، نزلت هذه الآية لبيان تشريع القصاص : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها ..).
أي فرضنا في التوراة التماثل والمساواة في القصاص ، فتقتل النفس بالنفس ، وتفقأ العين بالعين ، ويجدع الأنف بالأنف ، وتقطع الأذن بالأذن ، ويقلع السن بالسن ، ويجري القصاص في الجروح ، أي يعتبر فيها المساواة بقدر الاستطاعة.
فالآية تدل على جريان القصاص في كل ما ذكر ، وقد أخذ أبو حنيفة : أن
__________________
(١) تفسير الطبري : ٦ / ١٦٣
(٢) تفسير الرازي : ١٢ / ٦