وسبب موالاة هؤلاء المنافقين لأعداء الإسلام : أنهم يتأولون في مودتهم أنهم يخشون انتصار الكافرين على المسلمين ، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى ، فينفعهم ذلك. وهذا شأن المنافقين المستضعفين في كل زمان ومكان ، يتخذون صداقات ومودات عند زعماء الكفر لتأييدهم ودعمهم أثناء الأزمات ، وقد أثبت الواقع تخليهم عنهم وقت المحنة الشديدة وبيع صداقتهم بثمن بخس ، وقد رأينا في عصرنا كيف تتخلى أمريكا مثلا عن رئيس دولة ما عاش كل عهده حليفا لها ، ومنفذا لمآربها ، وسائرا في مخططاتها ، فهي التي تستخدمه وتستهلكه ، ثم تتخلى عنه وقت المحنة والأزمة ، فخاب كل من استعان بغير الله وبغير أهل دينه.
لذا رد الله على مزاعم وتأويلات هؤلاء : بأنه لعل الله يأتي بالفتح والنصر والفصل بين المؤمنين والكافرين كما حدث في فتح مكة وغيره ، أو يأتي بأمر من عنده لا يكون للناس فيه فعل في شأن هؤلاء الكافرين ، كإلقاء الرعب في قلوب يهود بني النضير ، ونحو ذلك من وقائع إدالة المؤمنين أي نصرهم على الكافرين ، فيصبح المنافقون الذين والوا اليهود والنصارى نادمين على ما كان منهم ، مما لم يفدهم شيئا ، وإنما كان ذلك عين السوء والمفسدة ، فإنهم فضحوا أمام المؤمنين بعد أن كانوا مستورين. قال المفسرون : (فَعَسَى) : من الله واجب ؛ لأن الكريم إذا أطمع في خير فعله ، فهو بمنزلة الوعد لتعلق النفس به ورجائها له (١).
وبه يتبين أن المقصود بالفتح : تحقيق الفتوح في مكة وغيرها من بلاد العرب وإجلاء اليهود من الحجاز وخيبر وغيرها. وأما الأمر من عند الله فهو تدبير شيء خفي للأعداء ، كإجلاء اليهود من موطنهم ، أو قهرهم مثل قهر بني قريظة ، أو إلقاء الرعب في قلوبهم كما حدث لبني النضير ، أو إخضاع اليهود والنصارى لأحكام الإسلام وسلطة الدولة الإسلامية بفرض الجزية عليهم.
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٢ / ١٦