والاقتداء بشريعته ، وتعملوا بما أنزل إليكم من ربكم ، يعني القرآن العظيم ، الذي أكمل الله به الدين وختم برسالة محمد رسالات الأنبياء.
ثم كرر تعالى ما ذكر في الآية السابقة (٦٤) : وهو القسم من الله تعالى بأن كثيرا من أهل الكتاب لا يزيدهم القرآن إلا غلوا في تكذيبهم وكفرا على كفرهم ، لتعصبهم الموروث وحقدهم وحسدهم (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة ٢ / ١٠٩] ، وإهمالهم التفكير بإنصاف وتجرد ، فلا تأس على القوم الكافرين ، أي لا تحزن يا محمد ولا تتأسف عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم ، فإن ضرر ذلك راجع إليهم ، لا إليك ، وفي المؤمنين غنى عنهم.
أما القليل منهم الذين آمنوا بالله وحده لا شريك له وبكتبه ورسله ، فلا يزيدهم القرآن إلا هدى ورشادا وإسعادا.
وبعد الكشف عن تلك الحقيقة المهمة وضع القرآن قانونا عاما لكل الناس ، وهو : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...) أي إن الذين صدقوا بالله ورسوله وهم المسلمون ، واليهود حملة التوراة أتباع موسى عليهالسلام ، والصابئون (١) كذلك الخارجون عن الأديان كلها (٢) والنصارى أتباع المسيح عليهالسلام ، من آمن منهم (٣) بالله ورسله واليوم الآخر إيمانا صحيحا صادقا ، وعمل عملا صالحا ، فلا خوف عليهم أبدا من عذاب يوم القيامة ، ولا هم يحزنون أبدا على لذات الدنيا ونعيمها ولا على شيء يصيبهم في الآخرة ، بل هم في جنات النعيم.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت آية التبليغ على رد قول من قال : إن النبي صلىاللهعليهوسلم كتم شيئا من أمر الدين تقيّة ، وعلى بطلان هذا القول من الرافضة. ودلت أيضا على أنه صلىاللهعليهوسلم لم
__________________
(١) مبتدأ وخبره محذوف.
(٢) ولم يعطف على ما قبله بالنصب ؛ لأن الصابئين أشد الفرق المذكورين في الآية ضلالا.
(٣) بدل منصوب من اسم إن وما عطف عليه.