والقصة هي كما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضياللهعنه : «أن قريشا لما استعصوا على رسول الله صل الله عليه وسلّم ، دعا عليهم بسنين كسنيّ سيدنا يوسف ، فأصابهم قحط وجهد ، حتى أكلوا العظام والميتة من الجهد ، وحتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع ، فأنزل الله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ ، هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) [الدخان ٤٤ / ١٠ ـ ١١] فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا محمد ، إنك جئت تأمرنا بصلة الرحم ، وإن قوما ربما هلكوا ، فادع الله لهم ، فدعا لهم ، فكشف الله عنهم العذاب ، ومطروا ، فعادوا إلى حالهم ومكرهم الأول يطعنون في آيات الله ، ويعادون رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ويكذّبونه».
فرد الله عليهم بقوله : (قُلِ : اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي قل لهم يا محمد : إن الله أسرع جزاء لكم على أفعالكم قبل أن تدبروا مكائدهم لإطفاء نور الإسلام ، أو أشد استدراجا وإمهالا حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب ، وإنما هو في مهلة ، ثم يؤخذ على غرة منه.
(إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) أي إن الحفظة أو الكتبة من الملائكة الكرام يكتبون جميع ما تفعلونه وتدبرونه أو تخططون له ، ويحصونه عليكم ، ثم يعرضونه على الله عالم الغيب والشهادة ، فيجازي كلا منكم على الجليل والحقير. وفي هذا دلالة على تمام الحفظ والعناية وعدم خفاء تدبيرهم على الله تعالى ، وعلى أن عقابه واقع بهم لا محالة.
ثم ضرب الله مثلا للمشركين المعاندين على مقابلتهم النعمة بالجحود ، فقال : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ ..) أي إن الله تعالى هو الذي يمكنكم من السير والانتقال
__________________
ـ تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها ، وقيل : إلى الطالع منها ؛ لأنه في سلطانه ، والجمع أنواء.