الحجة اليقينية في صحة البعث والمعاد بقوله تعالى : (قُلِ : الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أمر تعالى بمجادلة المخالفين باللين وبالطريق الأحسن وألا يخاشن المشركون ، وألا يكون ذكر الحجة مخلوطا بالشّتم والسّب حتى لا يقابلوكم بمثله ، وتحدث النّفرة ، فيقال لهم : ربّكم العليم بكم ، إن شاء عذّبكم ، وإن شاء رحمكم ، ولا يصرّح لهم بأنهم من أهل النّار ، فلا يحاولون الإيمان أو الإسلام.
ثم بيّن تعالى مهمة رسوله وهي التّبشير والإنذار ، وأنه ليس مفوضا في حمل الناس على الإسلام أو إجبارهم عليه ، وأنه تعالى العليم بكلّ شيء وبمن في السّموات والأرض ، فيختار للنّبوة من يراه أهلا لها.
التفسير والبيان :
يأمر الله تعالى رسوله بأن يبلّغ عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطبات الناس من المشركين وغيرهم ومحاوراتهم معهم الكلام الأحسن للإقناع ، والكلمة الطيّبة ، وهو ألا يكون بيان الحجة مخلوطا بالشّتم والسّب والأذى ، كما قال تعالى في آية أخرى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل ١٦ / ١٢٥] ، وقوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت ٢٩ / ٤٦].
وعلّة ذلك كما قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي إن لم يقولوا الكلام الأحسن والكلمة الطيبة ، فإن الشيطان يفسد الأمور بين المؤمنين والمشركين ، ويثير الفتنة والشّر ، ويوقع المخاصمة والمقاتلة ويغري بعضهم ؛ لأنه عدو لآدم وذريّته عداوة ظاهرة بيّنة ، ولهذا نهى الشرع أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة ، فإن الشيطان ينزغ في يده ، فربّما أصابه بها ، روى أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يشيرنّ