بين الخصمين في النعاج قبل أن يسمع بيّنه الخصم الآخر ، وكان الحق له ، وخر ساجدا ـ وعبر بالركوع عن السجود ـ ورجع إلى الله بالتوبة من ذنبه.
(فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ ، وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) أي فغفرنا له سوء ظنه أو ما كان منه مما يقال فيه : إن حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ، وإن له عند ربه لقربا وحسن مرجع ، وهو الجنة.
والظاهر أن الذنب : هو همّ داود الانتقام من هذين الشخصين اللذين كانا يقصدان اغتياله ، فاصطنعا هذه الخصومة ، لأنهما رأيا أن الحرس سيقتلونهما ولن يفلتا من العقاب ، ثم رأى داود أن العفو والصفح أقرب لمقام النبوة ، فاستغفر ربه مما كان قد عزم عليه من الانتقام.
الموضوع الثالث ـ الاستخلاف في الأرض
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) يخاطب الله تعالى داود عليهالسلام بأنه استخلفه حاكما بين الناس في الأرض ، فله السلطة والحكم ، وعليهم السمع والطاعة. ثم بيّن الله تعالى له قواعد الحكم تعليما لغيره من الناس :
١ ـ (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) أي فاقض بين الناس بالعدل الذي قامت به السموات والأرض. وهذه أولى وأهم قواعد الحكم.
٢ ـ (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) أي لا تمل في الحكم مع أهواء نفسك أو بسبب مطامع الدنيا ، فإن اتباع الهوى مزلقة ومدعاة إلى النار ، لذا قال :
(فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي إن اتباع الهوى سبب في الوقوع في الضلال والانحراف عن جادة الحق ، وما عاقبته إلا الخذلان ، فقال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) أي إن الذين يتنكبون طريق الحق والعدل ، لهم عقاب شديد يوم القيامة