العذاب الأخروي. وذكرت هنا في بدء الجزء ، لأن عد الأجزاء مراعى فيه العدّ اللفظي لا الاتصال المعنوي.
التفسير والبيان :
(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) أي لم ننزل على قوم المؤمن حبيب النجار من بعد قتلهم له ، لدعوتهم إلى الإيمان بالله ، جندا من الملائكة ، وما كنا بحاجة إلى هذا الإنزال ، بل كان الأمر أيسر علينا من ذلك ، وقد سبق قضاؤنا بأن إهلاكهم بالصيحة ، لا بإنزال الجند.
وهذا لتحقير شأنهم ، فإن إنزال الملائكة لعظائم الأمور ، وهؤلاء لا يحتاجون لإهلاكهم جندا من السماء ، بل أهلكناهم بصيحة واحده ، كما قال تعالى :
(إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ، فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) أي ما كان إهلاكهم إلا بصيحة واحدة صاح بهم جبريل ، فأهلكهم ، فإذا هم أموات لا حراك بهم. وقوله : (إِنْ كانَتْ) أي الأخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة ، وقوله : (واحِدَةً) تأكيد لكون الأمر هينا عند الله ، وقوله : (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) فيه إشارة إلى سرعة الهلاك.
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ، ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي يا هؤلاء الذين كذبتم الرسل تحسروا حسرة أليمة ، واندموا على ما فعلتم ، بسبب أنه ما جاء رسول يدعو إلى التوحيد والحق والخير إلا استهزئ به وكذّب وجحد ما أرسل به من الحق. فقوله (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) أي هذا وقت الحسرة على مكذبي الرسل ، وتنكير (حَسْرَةً) للتكثير. وسبب التحسر عليهم : أنهم لم يعتبروا بأمثالهم من الأمم الخالية. ولا متحسر أصلا في الحقيقة ، إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة ، حيث ظهرت الندامة عند مواجهة العذاب ومعاينته. وقيل : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل.