البلاغة :
(أَرَأَيْتُمْ) فيها مجازان : مجاز استعمال رأى بمعنى أبصر في الإخبار ، لأن الرؤية طريق للعلم بالشيء ، والعلم به طريق إلى الإخبار عنه ، فاستعملت صيغة طلب الرؤية في طلب الإخبار بجامع مطلق الطلب. ومجاز استعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الإخبار.
المفردات اللغوية :
(أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (إِنْ كانَ) القرآن (ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) من غير نظر واتباع دليل (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي لا أحد أضل منكم أي أكثر ضلالا ممن هو في خلاف كبير بعيد عن الحق. وقد أوقع هذه الجملة : (مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ) موقع (منكم) لبيان حالهم ، وتوضيح مزيد ضلالهم. والمعنى : إذا كفرتم بالقرآن فليس هناك في الدنيا أكثر ضلالا منكم يا قريش بسبب مخالفتكم الشديدة المغرقة في البعد عن الحق.
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) سنطلعهم على عظمة آياتنا وصدقها في أقطار السماء والأرض ، وسيتبين لهم في المستقبل واقع ما أخبرناهم بهم من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية ، وما يحققه المسلمون من فتوحات في أرجاء الدنيا على وجه خارق للعادة. و (الْآفاقِ) نواحي الأرض والسموات (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) من إبداع الصنع وعظمة التركيب وما حل بأهل مكة (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) حتى يظهر لهم أن القرآن هو الحق الثابت المنزّل من الله المشتمل على نظام الدنيا الأصلح ، ومعرفة حقائق الآخرة من البعث والحساب والعقاب (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ) أي أولم تحصل الكفاية بربك ، أو أو لم يكفهم في أنه حق وفي صدقك أن ربك على كل شيء شهيد ، أي لا يغيب عنه شيء ما. والمعنى : إن هذا الموعود به من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه ، فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل من المطّلع المهيمن على كل شيء ، حاضره وغائبه ، فيكفيهم ذلك دليلا على أنه حق وأنه من عند الله. وقوله : (شَهِيدٌ) أي شاهد على كل ما يفعله الخلق.
(مِرْيَةٍ) شك (مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) أي من البعث بعد الموت (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) أي إنه تعالى عالم بكل الأشياء مجملها وتفصيلها ، وعالم بمقدارها ، فيجازيهم بكفرهم.