(كهيعص) أول مريم و (المر) أول الرعد ، بدئ بها للدلالة على تكوين القرآن من أجزاء أمثال هذه الحروف التي تتركب منها لغة العرب بقصد الإعجاز والتنبيه إلى خطورة ما فيها من أمور.
(كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي مثل ذلك الإحياء الذي أوحي إلى سائر الأنبياء من كتب الله المنزلة ، يوحي إليك أيها الرسول في هذه السورة ، من الدعوة إلى التوحيد وإثبات النبوة ، والإيمان بالبعث أو اليوم الآخر والثواب والعقاب ، والعمل بفضائل الأخلاق ، والبعد عن رذائلها ، وإسعاد الفرد والمجتمع ، كما قال تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى ٨٧ / ١٨ ـ ١٩] وهو إشارة إلى ما تضمنته السورة من إقرار مبدأ التوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، فليس الهدف من إنزال جميع الكتب الإلهية إلا الإيمان بهذه الأمور الثلاثة.
والذي يوحي إليك هو الله ، العزيز في ملكه ، الغالب بقهره ، الحكيم في صنعه ، يضع الأمور في موضعها الصحيح.
والمقصود بالآية تقرير المماثلة في دعوات الأنبياء إلى التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والمعاد ، والتحذير من الاغترار بالدنيا ، والترغيب في التوجه إلى الآخرة.
ومن أوصاف الموحي أيضا ما قاله تعالى :
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) أي له جميع ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا ، فهي مملوكة له ، مخلوقة منه ، متصرف فيها كما يشاء إيجادا وإعداما ، وهو المتعالي فوق خلقه ، صاحب الكبرياء والعظمة ، ليس كمثله شيء ، فليس المراد العلو في الجهة والمكان ، ولا عظمة الجثة وكبر الجسم ، لأن ذلك يقتضي كونه مؤلفا من الأجزاء والأبعاض ، وذلك ينافي قوله : (اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص ١١٢ / ١].