لا يعلمون توحيد الله وشرائعه لعباده ، وهم كفار قريش ومن وافقهم. قال الكلبي : إن رؤساء قريش قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو بمكة : ارجع إلى ملة آبائك ، وهم كانوا أفضل منك وأسنّ ، فزجره الله تعالى عن ذلك بقوله : (وَلا تَتَّبِعْ) الآية ، أي لو ملت إلى أديانهم الباطلة لصرت مستحقا للعذاب ، وهم لا يقدرون على دفعه عنك.
وعلة النهي عن اتباع أهوائهم هي ما قال تعالى :
(إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي إن هؤلاء المشركين الجهلة لن يدفعوا عنك من الله شيئا أراده بك إن اتبعت أهواءهم وخالفت شريعتك.
(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ، وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) أي وإن هؤلاء الكافرين ينصر بعضهم بعضا ، فالمنافقون أولياء اليهود في الدنيا ، ولكن تناصرهم لا يفيدهم شيئا في الآخرة ، ولا يزيدونهم إلا خسارا ودمارا وهلاكا ، والله ناصر المؤمنين الذين اتقوا الشرك والمعاصي ، فيخرجهم من الظلمات إلى النور ، أما الذين كفروا فأولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات. وهذه تفرقة واضحة بين ولاية الله للمتقين ، وولاية الظالمين لبعضهم.
ثم بيّن الله تعالى فضل القرآن الدائم الخالد ، قائلا :
(هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ ، وَهُدىً ، وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي هذا القرآن المشتمل على شرائع الله الخالدة إلى يوم القيامة هو دلائل وبراهين للناس جميعا فيما يحتاجون إليه من أحكام الدين ، وهاد إلى الجنة من عمل به ، ورحمة من الله وعذابه في الدنيا والآخرة لقوم من شأنهم الإيقان وعدم الشك بصحته وتعظيم ما فيه.
وإنما خص الموقنين بذلك ، لأنهم المنتفعون به.