(وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي ما قالوا هذه المقالة ، إلا شاكين غير عالمين بالحقيقة ، فلا دليل لهم من نقل أو عقل ، وما مستندهم إلا الظن والتخمين من غير حجة أصلا.
قال الرازي : وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول بغير حجة وبينة قول باطل فاسد ، وأن متابعة الظن والحسبان منكر عند الله تعالى (١).
ثم ذكر تعالى شبهتهم ودليلهم على إنكار البعث قائلا :
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا : ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي إذا تليت عليهم بعض آيات القرآن واضحات الدلالة على قدرة الله والبعث ، واستدل عليهم ، وبيّن لهم الحق ، وأن الله تعالى قادر على إعادة الحياة إلى الأنفس بعد فنائها ، لم يكن لهم حجة إلا طلب إعادة إحياء آبائهم الذين ماتوا ، إن كنتم أيها المؤمنون صادقين في إمكان البعث ، وأحيوهم إن كان ما تقولونه حقا ، ليشهدوا لنا بصحة البعث.
وهذا كلام ساقط ، فإن البعث يكون بعد نهاية الدنيا ، ولا يلزم من عدم حصول الشيء في الحال امتناع حصوله في المستقبل يوم القيامة.
ثم ذكر الله تعالى دليل إمكان البعث قائلا :
(قُلِ : اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، لا رَيْبَ فِيهِ) أي قل أيها النبي لهؤلاء المشركين منكري البعث : إن الله أحياكم في الدنيا ، ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم ، ثم يجمعكم جميعا يوم القيامة جمعا لا شك فيه ، فإن الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى ، كما قال : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ، ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم ٣٠ / ٢٧].
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٧ / ٢٧٠