الأمور المستقبلة في الآخرة حق ثابت ، وواقع لا محالة ، والقيامة لا شك في وقوعها ، فآمنوا بذلك ، واعملوا لما ينجيكم من العذاب ، قلتم : لا نعرف ما القيامة ، إن نتوهم وقوعها إلا توهما مرجوحا أو ظنا لا يقين فيه ولا علم ، وما نحن بمتحققين ولا موقنين أن القيامة آتية ، أي كأنهم نفوا كل الظنون إلا الذي لا ثبوت علم فيه ، وأكدوا هذا المعنى بقوله : (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ).
وبعد هذا التوبيخ والنقاش ، ذكر الله تعالى ما يفاجؤون به من العذاب :
(وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي وظهر لهم قبائح أعمالهم وعقوبة أفعالهم السيئة ، وأحاط بهم ، ونزل عليهم جزاء أعمالهم بدخولهم النار ، وعوقبوا بما كانوا يهزؤون به في دار الدنيا من العذاب والنكال ، ويقولون : إنه أوهام وخرافات.
ثم أيأسهم تعالى من النجاة قائلا :
(وَقِيلَ : الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ، وَمَأْواكُمُ النَّارُ ، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي ويقال لهم : اليوم نعاملكم معاملة الناسي لكم وكالشيء المنسي الملقى غير المبالى به ، فنترككم في العذاب ، كما تركتم العمل لهذا اليوم ، وتجاهلتم ما جاء عنه في كتب الله ، لأنكم لم تصدقوا باليوم الآخر ، ومسكنكم ومستقركم الذي تأوون إليه هو النار ، وليس لكم من أنصار ينصرونكم فيمنعون عنكم العذاب.
وبذلك جمع الله تعالى عليهم من وجوه العذاب الشديد ثلاثة ألوان هي :
الأول ـ أنه قطع رحمة الله تعالى عنهم بالكلية.
الثاني ـ أنه جعل مأواهم النار.
الثالث ـ فقدان الأعوان والأنصار.