التفسير والبيان :
(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي من كان يريد بأعماله وكسبه ثواب الآخرة ، نقويه ونغنيه ، ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها ، إلى سبع مائة ضعف ، إلى ما شاء الله.
(وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) أي ومن كان سعيه للحصول على شيء من شؤون الدنيا ، وطلب لذائذها وطيباتها ، وإهمال شؤون الآخرة ، نعطه ما قضت به مشيئتنا ، وقسمناه له في قضائنا ، ولكن ليس له في الآخرة حظ ، لأنه لم يعمل للآخرة ، فلا نصيب له فيها.
وهذه الآية بإطلاقها مقيدة بآية الإسراء : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ ، وَسَعى لَها سَعْيَها ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء ١٧ / ١٨ ـ ١٩].
أخرج الإمام أحمد والحاكم وصححه وغيرهما عن أبيّ بن كعب رضياللهعنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بشّر هذه الأمة بالسّناء والرفعة ، والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا ، لم يكن له في الآخرة من نصيب».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : «تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) الآية ، ثم قال : يقول الله : ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسدّ فقرك ، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ، ولم أسدّ فقرك».
ولما ذكر تعالى ما شرع للناس ، وهو (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) الآية ، أخذ ينكر ما شرع غيره وهو سبب ضلال المشركين ، فقال :