الثالث ـ أنه تعالى سكت عن طالب حرث الآخرة ، ولم يذكر أنه تعالى يعطيه الدنيا أم لا ، أما طالب حرث الدنيا ، فإنه تعالى بيّن أنه لا يعطيه شيئا من نصيب الآخرة على التنصيص ، وهذا يعني أن الآخرة أصل والدنيا تبع ، وواجد الأصل يكون واجدا للتبع بقدر الحاجة.
الرابع ـ أنه تعالى بيّن أن طالب الآخرة يزاد في مطلوبه ، وأما طالب الدنيا فيعطى بعض مطلوبه من الدنيا ، ويحرم من نصيب الآخرة.
الخامس ـ إن الآخرة نسيئة ، والدنيا نقد ، والنسيئة مرجوحة بالنسبة إلى النقد ، لأن الناس يقولون : النقد خير من النسيئة ، فبين تعالى أن هذه القضية انعكست بالنسبة إلى أحوال الآخرة والدنيا ، فالأولى متجهة للزيادة والنمو ، والثانية آيلة إلى النقصان.
السادس ـ الآية دالة على أن منافع الآخرة والدنيا تحتاج إلى حرث وعمل وتعب ، وصرف المتاعب إلى ما يؤدي إلى التزايد والبقاء أولى من صرفها إلى ما يؤدي إلى النقصان والانقضاء والفناء (١).
٣ ـ استنبط ابن العربي من هذه الآية : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) أن الوضوء تبردا الذي هو من حرث الدنيا ، لا يجزئ عن فريضة الوضوء الذي هو من حرث الآخرة ، خلافا لأبي حنيفة رحمهالله تعالى (٢).
٤ ـ إن شرع الله الدائم هو ما أنزله على أولي العزم من الرسل ، والله لم يشرع الشرك ، فمن أين يدين المشركون به؟
٥ ـ من رحمة الله بالمشركين تأخير العذاب عنهم إلى القيامة ، ليعطوا فرصة
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٧ / ١٦٢.
(٢) أحكام القرآن : ٤ / ١٦٥٥.