(فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) أي فمن لم يستطع صيام شهرين متتابعين لكبر سن أو مرض مزمن أو لمشقة شديدة لا تحتمل عادة ، فعليه أن يطعم ستين مسكينا ، لكل مسكين عند الحنفية مدان ، أي نصف صاع من القمح ، وصاع (١) من تمر أو شعير ، كالفطرة قدرا ومصرفا ، من قبل التّماسّ أيضا ، سواء بالإباحة أو بالتمليك ، عملا بظاهر القرآن وهو أن الواجب هو الإطعام ، وحقيقة الإطعام هو التمكين ، وذلك يتأدى بالإباحة والتمليك.
ويجب عند المالكية التمليك لكل مسكين مد (٢) وثلثان من القمح إن اقتاتوه ، فلا يجزئ غيره من شعير أو ذرة أو غيرهما ، فإن اقتاتوا غير القمح فما يعدله شبعا لا كيلا ، ولا يجزئ الغداء والعشاء إلا أن يتحقق بلوغهما مدا وثلثين.
وأوجب الشافعية والحنابلة التمليك أيضا ، وقدر ما يعطى كل مسكين : مدّ من قمح ، أو نصف صاع من تمر أو شعير ، ودليلهم على التمليك القياس على الزكاة وصدقة الفطر.
وظاهر قوله تعالى : (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) أنه لا بد من استيفاء عدد الستين ، فلو أطعم واحدا ستين يوما لم ينجزه عند الجمهور غير الحنفية إلا عن واحد ، لظاهر الآية ، وهو أنه أوجب إطعام ستين مسكينا ، فوجب رعاية ظاهر الآية. ويجزئه ذلك عند الحنفية ، لأن المقصود سد خلة المحتاج ، والحاجة تتجدد كل يوم ، فالدفع إليه مع مرور الأيام إطفاء للحاجة المتكررة بتكرر الأيام. وهذا معارض لظاهر النص على ستين مسكينا ، وبتكرر الحاجة في مسكين واحد لا يصير هو ستين مسكينا ، فالتعليل بسد خلة المحتاج مبطل لمقتضى النص ، فلا يجوز.
__________________
(١) الصاع : ٢٧٥١ غم.
(٢) المد : ٦٧٥ غم.