القرآن ذلك المعنى وهذا تارة يكون مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم أنّه ليس المراد بالآية ذلك ولكن يلبس به على خصمه وتارة يكون مع الجهل ولكن إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ويترجح ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسّر القرآن برأيه أي رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير ولو لا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه.
وتارة قد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلاً من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنّه ما أريد به ذلك كمن يدعو إلى الاستغفار بالأسحار فيستدل عليه بقوله عليه السلام : تسحّروا فإن السحور بركة ، ويوهم أن المراد به التسحر بالذكر وهو يعلم أن المراد به الأكل وكالذي يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول قال الله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) ، ويشير إلى قلبه ويؤمي إلى أنّه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسيناً للكلام وترغيباً للمستمع وهو ممنوع منه.
وقد يستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعاً أنه غير مراد به فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي. والوجه الثاني : أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيها من الألفاظ المبهمة والمبدلة وما فيها من الاقتصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير وفيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ والخاص والعام والرخص والعزائم والمحكم والمتشابه إلى غير ذلك من وجوه الآيات فمن لم يحكم ظاهر التفسير ومعرفة وجوه الآيات المفتقرة إلى السماع وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسر بالرأي فالنقل والسماع لا بدّ منه في ظاهر التفسير اولاً ليتقي مواضع الغلط ثمّ بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط فان ظاهر التفسير يجري مجرى تعليم اللغة التي لا بدّ منها للفهم وما لا بدّ فيه من السماع فنون كثيرة منها ما كان مجملاً لا