وآله وسلم فالنبيّ صلّى الله عليه وآله أولى أن يكون بعيداً من الصفة التي قال فيها : وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ. وقال في جملة سؤاله : وأجده يقول : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ. وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فما معنى ذلك؟.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
وأمّا هفوات الأنبياء وما بينه الله في كتابه ووقوع الكناية عن أسماء من اجترم أعظم ممّا اجترمته الأنبياء ممن شهد الكتاب بظلمهم فان ذلك من أدل الدلائل على حكمة الله الباهرة وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة لأنّه علم أن براهين أنبيائه تكبر في صدور أممهم وأن منهم من يتخذ بعضهم إلهاً كالذي كان من النصارى في ابن مريم فذكرها دلالة على تخلفهم من الكمال الذي تفرد به عز وجل. ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى عليه السلام حيث قال فيه وفي أمه : كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ يعني أن من أكل الطعام كان له ثقل ومن كان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصارى لابن مريم ولم يُكنّ عن أسماء الأنبياء تجبراً وتعززاً بل تعريفاً لأهل الاستبصار أن الكناية (١) عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وأنّها من فعل المتغيرين والمبدلين الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ واعتاضوا الدنيا من الدين وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله : (لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً). وبقوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) وبقوله : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه ، وبقوله (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ
__________________
(١) قوله : ان الكناية مفعول للتعريف أراد عليه السلام أن الله سبحانه صرّح في كتابه بأسماء المنافقين كما صرّح بأسماء الأنبياء وإنّما بدلها المبدلون وإنّما لم يكن من أسماء الأنبياء في مقام ذكر هفواتهم بل صرّح بها تجبراً وتعززاً لئلا يتخذوا من دونه آلهة وليعرف أهل الاستبصار أن التكنية عن أسماء المنافقين ليست من فعله بل هو من فعل المغيرين وذلك لعلمه بأنهم سيبدلونها ويبقى أسماء الأنبياء مصرحاً بها فلفظة بل ليست للإضراب بل للترقي. منه قدّس سرّه.