فكما رسول القرآن رحمة للعالمين ، كذلك القرآن ، بيانا للذي اختلفوا فيه اهل الكتاب وسواهم ، آمنوا ام لم يؤمنوا ، ثم (وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) اضافة الى ذلك البيان ، إذا فالقرآن فيه الهيمنة على حق الهدى في بعدين ، هيمنة على كتابات السماء كلها وسواها بيانا ، وهدى ورحمة زائدة لقوم يؤمنون به ، حيث تحلّقان على كل متطلبات الحياة وحاجياتها الانسانية مع الأبد ما طلعت الشمس وغربت.
ومن هذه الزوايا الثلاث ندرس مدى دعوة القرآن الخالدة ، حيث تربط الطول التاريخي والعرض الجغرافي في عرض فصيح فسيح لهدى الله ككل دون إبقاء.
إذا فهذا الكتاب هو ذكرى كافية خالدة للعالمين (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وسواهم من مشركين وكتابيين وملحدين ، ف «هم» في «لهم» تشملهم كلهم حيث يقابلهم (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) دون اختصاص بالمشركين ، مهما كانوا حاضري الخطابات السابقة دون سواهم.
ومن الشاهد القاطع لشموله اهل الكتاب : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٦ : ٤٤) بل هم أحرى من سواهم لاستئناسهم بكتابات الوحي ، وحاجتهم المدقعة الى بيان ما اختلفوا فيه منها : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٢١ : ١٠). فهم المستفيدون منه اكثر من سواهم : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) (٢٩ : ٤٧) ولذلك فهم يفرحون : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) (١٣ : ٣٦) ولأنهم أوتوا علم الكتاب (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) (٣٤ : ٦) فليتبعوه لأنه احسن ما انزل (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (٣٩ : ٥٥).