عن سائر الحيوان ، وهي مهابط غيب الوحي لإنسان الوحي (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وهنا سؤال قد يكون من عضاله ، هو ان المعارف والعلوم الكسبية التي تحصل للإنسان بعد الولادة شيئا فشيئا هي بين بديهيات ونظريات ، فالنظريات لا بد وان تسبقها بديهيات ، وسبقها يستلزم كونه عالما بها ، وإلا فكيف (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً).
لكن البديهيات العقلية الانسانية ومن ثم نظرياتها التي تتبناها ، هي قضية (السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) المجعولة للإنسان بعد الولادة ، وهنا العقل وسيط بين هذه الثلاث رباطا وثيقا ، وهو يتبنى الفطرة الانسانية ، وهكذا تنحل هذه العويصة الشائكة الحالكة.
(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ٧٩.
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ)
هنا القوة الجاذبية الارضية تجذب إليها الطير وسواها من كائناتها العائشة عليها ، والقريبة منها ، ما لم تصل الى جاذبية أقوى فانجذابا إليها ، ام متعادلة معها فوقوفا في جو السماء ، فكيف تطير الطير في جو السماء ـ ممسكة في طيرانها عن السقوط الى ارضها ـ لو لا ان الله ممسكها بما أمسكها؟ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالله ، ام هم في طريق الإيمان بالله ، متحرين عن براهينه الساطعة. (١)
__________________
(١) راجع الفرقان ٢٩ : ٤٣ ـ ٤٥ تجد فيه تفصيل البحث حول الطير وإمساكها وسائر الطيران.