اعوجاجهم عن الفطرة ، فبطبيعة الحال يعوجون عن السبيل ـ فان اقامة الوجه الى الفطرة من الشروط الاصيلة لابتغاء السبيل (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
ثم ويبغونها على بغيهم هذا عوجا في تحريف او تزييف (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) فحقا (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) فانه إضلال بعد ضلال (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
ذلك الضلال البعيد ، ولكن الرسالات الالهية مكافحة لكل ضلال قريب ام بعيد إذ تملك بيانا للحق الصارم ، ناصحا ناصعا لا يشوبه ريب ولا عيب :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٤).
أترى ما هو (بِلِسانِ قَوْمِهِ)؟ هل هو لغتهم التي بها يتكلمون (١)؟ واولوا العزم من الرسل أرسلوا الى العالمين بمختلف لغاتهم ، مهما كان الموارد الأولى لدعواتهم قوم واحدهم عائشوهم ، ولكنهم كبداية الدعوة ، ثم منطلقها إلى سائر المكلفين ، وهم جميعا قومهم المرسل إليهم!.
ام «قومه» هم قوم هذا الرسول (ص) فما أرسل من رسول إلا بلسانهم العربي وهم كانوا يترجمونها الى لغات اقوامهم؟ (٢) ولم يسبق للرسول
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٧٠ واخرج احمد عن أبي ذر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبعث الله نبيا الا بلغة قومه.
(٢) نور الثقلين ٢ : ٥٢٥ ح ٤ عن الباقر (عليه السلام) قال : ما انزل الله تبارك وتعالى كتابا ولا وحيا الا بالعربية فكان يقع في مسامع الأنبياء (عليهم السلام) بالسنة ـ