عمل الشيطان!. والحلّ ان هنا «تتخذون» لا يخص خطاب المؤمنين حتى يتخذ اتخاذهم منه سكرا ذريعة الى حلّه ، بل هو خطاب للمشركين ام كافة المكلفين ، ثم عرض لما يتخذون من ثمرات النخيل من رزق سيء كالسكر ، ام (رِزْقاً حَسَناً).
ثم واتخاذ بعض المؤمنين يومذاك منه سكرا لا يدل على حلّه حيث الايمان درجات ، وقد يقترف المؤمنون معاصي ومآسي صغيرة وكبيرة وحتى لمحة الإشراك بالله (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٢ : ٤٣) وهناك عشرات من الخطابات لمقترفي الذنوب وقد سمّوا فيها مؤمنين.
كما ولا تدل آية النساء على حلّ السّكر لمكان ذلك الخطاب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) (٤ : ٤٣) وقد منعوا في هذه الحالة الرديئة عن الصلاة وهي عمود الدين ، فليكن السكر ـ إذا ـ عمودا ضد الدين.
ولقد حرمت الخمر منذ العهد المكي قبل النحل في الأعراف مهما كان كما في النساء طفيفا خفيفا ، فالحرمة هي الأصل من بداية الدعوة ، ثم في بيانها تدرجات الى ان تنتهي الى آية المائدة (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) إذ كانوا لا ينتهون مع تواتر النهي لتعودهم من ناحية وخفة النهي من اخرى ، فآية الأعراف تلمح تلميحة لطيفة الى حرمة طفيفة بصيغة مطلقة : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (٧ : ٣٣) والإثم هو ما يبطئ عن الصواب ، والسكر من أبطأ ما يبطئ عنه وكما في آية البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) (٢١٩) وقد حرم الإثم صغيرة وكبيرة في مكة قبل النحل ، فكيف يمن بالسكر في النحل؟ أمنّا بإثم حرمه ، وهو كبير كما بينه ، وهو رجس من عمل الشيطان كما في المائدة!.